حسين عبدالحسين
تشي تعيينات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن سياسته هي استكمال لسياسة سلفه باراك أوباما، مع بعض التعديلات التي تعيد السياسة الخارجية للولايات المتحدة إلى اطارها التقليدي المعروف، والذي خرج عنه أوباما بتقاربه مع نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وابتعاده عن حلفاء أميركا التقليديين في الشرق الأوسط.
وزير دفاع ترامب، جايمس ماتيس، هو من المخضرمين في السياسة الخارجية، وهو يرى أن على الولايات المتحدة حماية النظام العالمي، ومعاقبة المخلّين به، حتى لو كان ذلك يعني شنّ ضربات عسكرية أميركية داخل الأراضي الإيرانية. في "مجلس الأمن القومي" التابع للبيت الأبيض، عيّن ترامب العقيد المتقاعد جول رايبرن، مسؤولاً للعراق وإيران وسوريا، خلفا لروبرت مالي، صديق الرئيس السوري بشار الأسد.
ورايبرن، سبق أن خدم في العراق، ويعرف العشائر العراقية، السنية والشيعية، عن ظهر قلب، ويعرف مكامن القوة والضعف في النظام السياسي الاجتماعي العراقي، وهو كان من أكبر مؤيدي "خطة زيادة القوات"، التي قضت بالتحالف مع عشائر غرب العراق من السنة، الذين نظّموا مقاتليهم تحت لواء "قوات الصحوة". ومع ماتيس ورايبرن، تصبح عودة أميركا إلى مواجهة تمدد النفوذ الإيراني أمراً شبه حتمي.
وأمام الولايات المتحدة ثلاثة خيارات لمواجهة إيران. الأول هو مواجهة عسكرية تقليدية مباشرة. هنا، لا شك انه يمكن للقوة العسكرية الاميركية محو النظام الايراني في أسابيع. لكن هذه خطوة تعاني من معارضة غالبية الاميركيين للحرب، أي حرب. كذلك، لا أفق سياسياً لأي انتصار عسكري أميركي على ايران، بل فوضى وارتباك أميركي شبيه لما حصل في العراق.
الخيار الأميركي الثاني لمواجهة إيران هو عبر الديبلوماسية وفرض عقوبات اقتصادية. لكن العقوبات لا تؤثر في الإيرانيين ان كانت اميركية فقط لا أممية. وبناء تحالف أممي، مثل الذي أجبر ايران على توقيع الاتفاقية النووية، امر متعذر في ظلّ تجاوب إيران مع بنود الاتفاقية.
هكذا، يصبح الخيار الاميركي الثالث، والوحيد المتاح، هو الانخراط في حرب بالوكالة ضد إيران، في سوريا واليمن والعراق، وأينما تيسر. وايران، حتى اليوم، اثبتت تفوقاً في انتقاء حلفاء محليين، وتجنيدهم وتدريبهم وتمويلهم، وإدارة معاركهم، وتحقيق انتصارات إلى جانبهم. اما أميركا، فتاريخها في هذا المضمار متأرجح، ما عدا انجاز "قوات الصحوة"، وطرد "القاعدة" من العراق، وهو ما يرجح عودة واشنطن إلى هذا الخيار، خصوصا بوجود رايبارن وماتيس في القيادة الأميركية.
واذا ما انخرطت أميركا في مواجهة من هذا النوع ضد إيران، ستجد الولايات المتحدة نفسها تدعم مليشيات في سوريا تقاتل للقضاء على نظام الأسد والاطاحة به. لكن اقصاء الأسد يتنافى مع العقيدة السائدة داخل البيت الأبيض، والتي يشرف عليها مستشار ترامب للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون.
وبانون يتبنى عقيدة تعرف بعقيدة "التقليديين"، وهي مزيج من الفاشية الايطالية حسب كتابات جوليان ايفولا، والفاشية الروسية، حسب نظريات ألكسندر داغين. هذه الفاشيات تدعو إلى القضاء على النظام العالمي، والأميركي القائم، والاطاحة بالليبرالية بأكملها، واستبدال الحرية الفردية بنظريات تفوّق العرق والجنس والحضارة.
وبغياب التعاليم الليبرالية، لا تعني الهجمات الكيماوية في دمشق الكثير، ولا تقارير "منظمة العفو الدولية" عن تعذيب وقتل 13 ألف سوري في سجون الأسد، بل تتحول النظرة الغربية والاميركية إلى الأسد الى كونه رجل قوي يمكن التحالف معه ضد عدو الغرب وروسيا، أي الإسلام أو الحضارة الاسلامية بأكملها.
إذاً، الصراع بين الأجنحة داخل إدارة ترامب هو بين الليبراليين الواقعيين، من جهة، والعقائديين الفاشيين، من جهة اخرى. حتى الآن، حقق الفاشيون بقيادة بانون سلسلة من الانتصارات على الليبراليين، بلغت ذروتها مع نجاح الفاشيين بالاطاحة بترشيح المخضرم، عدو الأسد وعدو رئيس مصر عبدالفتاح السيسي، اليوت ابرامز، إلى منصب نائب وزير خارجية. ودغدغ بانون غرور ترامب بتقديمه مقالة كان قد هاجم فيها ابرامز المرشح ترامب، فتراجع الاخير عن الترشيح وسحبه. كما نجح بانون في تحجيم نفوذ مستشار الأمن القومي مايكل فلين، الذي قد يخسر منصبه بسبب "كذبه" على فريق ترامب، بما في ذلك نائب الرئيس مايك بنس، واصراره انه لم يناقش العقوبات الاقتصادية على روسيا مع السفير الروسي في واشنطن، وهو ما قدمت الاستخبارات الاميركية تسجيلات تثبت عكس ذلك لترامب وفريقه.
موقف أميركا من سوريا يتأرجح بين السياسة الخارجية التقليدية وبين فاشية التقليديين الممسكين بترامب شبه الأمي، وموقف أميركا من سوريا سيتحدد مع فوز فريق ضد آخر، او ربما فوز فريق مبدئياً وعودة الآخر فيما بعد، على غرار سيطرة "المحافظين الجدد" على الولاية الاولى للرئيس السابق جورج بوش الابن، وانحسارهم في الولاية الثانية لمصلحة السياسة الاميركية التقليدية المعروفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق