واشنطن - حسين عبدالحسين
عندما وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطاب قسمه ليقول إن الحماية الجمركية هي الوسيلة لإعادة الصناعة الأميركية، وتالياً الوظائف في ولايات «حزام الصدأ» الصناعية إلى سابق عهدها، راح أحد مؤيديه من بائعي قبعات حملة ترامب الحمراء المكتوب عليها «لنجعل أميركا عظيمة مرة ثانية» يقفز ويهلل. وعندما سأله أحد الحاضرين عن ثمن القبعة، أجاب البائع «20 دولاراً». استغرب المشتري، وقال إنه في طريقه من ولاية ساوث كارولينا، اشترى واحدة مثلها في الطريق في مقابل 30 دولاراً. وبعد أخذ ورد، ظهر أن القبعة الأغلى هي صناعة أميركية، وتلك الأرخص صناعة مكسيكية.
لم يكترث مؤيدا ترامب للتباين في سعري القبعتين، وراحا يهلّلان معاً لوعود رئيسهم الجديد بإقفال أبواب السوق الأميركية أمام البضائع العالمية. فيما يكاد يجمع الاقتصاديون على أن خطوة ترامب الحمائية ستؤدي الى نتائج عكسية، لأنها بالكاد ستعيد أي وظائف تُذكر إلى الولايات المتحدة. ولكنها في الوقت ذاته ستساهم في رفع الأسعار والتضخم، ما يؤذي مصلحة جميع المستهلكين، من بينهم العمال الذين يحاول ترامب تحسين أوضاعهم الاقتصادية.
وتصدّر الولايات المتحدة ما قيمته 1.5 تريليون دولار سنوياً وتستورد بقيمة 2.2 تريليون، ما يتسبب بعجز تجاري يتراوح بين 40 و50 بليون دولار شهرياً. ويعتقد فريق ترامب أن إغلاق أميركا أبوابها تماماً، سيقضي على العجز التجاري وسيزيد من إنتاجها بنسبة مئة في المئة. لكن معارضي ترامب يشككون في ما يرونها حسابات «غير علمية»، لأن من شأن تحويل الصادرات الأميركية إلى الداخل، أن يفضي إلى كساد في بعض القطاعات، من دون أن يتسبب الكساد المذكور بإعادة إنعاش قطاعات أخرى بديلة من الواردات.
ويسود أيضاً شبه إجماع على أن سبب «هجرة الوظائف» الأميركية ليس الانفتاح التجاري على العالم وغياب القدرة الأميركية على التنافس في صناعات تحتاج إلى يد عاملة رخيصة، بل يُعزى ذلك إلى تراجع عدد الوظائف خصوصاً في المصانع الأميركية بفعل طفرة في الروبوتات. ويضرب الاقتصاديون الأميركيون أمثلة، كالإشارة إلى أن وظائف شركة «جنرال موتورز» انخفضت بواقع الثلث من 600 ألف عام 1979 الى 400 ألف اليوم. لكن إنتاج الشركة يكاد يتضاعف اليوم مقارنة بعام 1979، بسبب التقدم في التكنولوجيا وعمل الروبوتات.
ويعمل عدد كبير من الشركات الأميركية على الاستثمار في تقنية الروبوتات التي تزيد الإنتاج، ويمكن إعادة برمجتها لتتناسب مع التحديثات الصناعية، أسرع بكثير من إعادة تعليم العمال وتحسين مهاراتهم. حتى الشركات غير الصناعية، مثل «أوبر» لخدمات النقل، تنخرط في منافسة شرسة مع شركتي «غوغل» و «آبل» في محاولة لصناعة سيارات تقود ذاتها، مع ما يعني ذلك من الإطاحة بملايين الوظائف من سائقي سيارات الأجرة.
ويعتقد الخبراء إمكان أن تؤدي السيارات التي تقود ذاتها إلى تدنٍ ليس في وظائف سائقي الأجرة فحسب بل أيضاً بوظائف صناعة السيارات. إذ سيتراجع ثمن النقل بالإجرة إلى مستويات متدنية جداً، ما يجعل اقتناء الأميركيين سيارات أمراً غير مربح، ويدفعهم إلى الانخراط في اقتصاد المشاركة الذي تقوده شركات مثل «أوبر».
في هذه الاثناء وفي اليوم الأول لرئاسته، عقد ترامب سلسلة من اللقاءات كان أبرزها مع الشركات الأميركية الكبيرة. ووعدهم بخفض الضرائب من ٣٥ في المئة حالياً إلى 20 أو حتى 15 في المئة، ما يهدد واردات الحكومة الفيديرالية ويعد برفع العجز السنوي للموازنة، وتالياً الدين العام إلى معدلات غير مسبوقة. ووعد ترامب رؤساء الشركات الأميركية أن إدارته بالتعاون مع الكونغرس الذي تسيطر عليه غالبية جمهورية، ستقلّص التشريعات القائمة بواقع 75 في المئة.
وفي وقت يعتبر ترامب أن التخفيف من التشريعات هو من باب التخلص من المعوقات أمام المستثمرين، إلا أن الإطاحة بعدد من هذه التشريعات هي مثابة سيف ذي حدين، مثل التخلص من القوانين التي تحد من الانبعاثات الحرارية وثاني اوكسيد الكربون. ويسعى ترامب وفق ما تشي تعييناته الحكومية، إلى التخلص من عدد من القوانين المرعية في الولايات المتحدة منذ السبعينات، مثل «قانون الهواء النظيف». كما يعمل على الموافقة على خطي أنابيب نفط إحداهما يمرّ من كندا في الشمال عبر الولايات المتحدة، ليصب في خليج المكسيك جنوباً.
ويخشى مناصرو حماية البيئة أن تفضي الإطاحة بهذه القوانين إلى إلحاق الأذى بالطبيعة الأميركية وتلويث هواء مدنها، مثل حال المدن الصينية الكبيرة. كما يخشى البيئيون من مرور أنابيب النفط فوق الخزانات الطبيعية للمياه الجوفية، ما يعني أن اي حادث تسرب نفطي قد يسبّب كارثة للمياه الجوفية. لكن ترامب يعتبر أن النهضة الاقتصادية الأميركية تتطلب إلغاء القوانين الداخلية وخفض الضرائب، وفرض رسوم جمركية على الواردات.
تبدو خطط ترامب الاقتصادية أنها تنتمي إلى عصور غابرة، ولا تتناسب مع الثورة التكنولوجية التي تستبدل مزيداً من الموظفين بماكينات مع مرور الأيام. كذلك لا يراعي ترامب المشاكل التي أصابت الدول الصناعية الأخرى، مثل تدمير البيئة والتلوث ولا حلول لديه لاستبدال مداخيل الدولة التي ستخسرها بسبب الخفوضات الضريبية.
كل هذه الاقتراحات الاقتصادية التي يتقدم بها ترامب، ومعظمها ما عدا الحماية الجمركية وعرقلة التجارة مع العالم، سبق أن تبناها أسلافه من الرؤساء الجمهوريين ولم تنجح، وهو ما حدا بمعارضيها إطلاق تسمية «اقتصاد الفودو» عليها، نسبة إلى ضروب السحر والشعوذة التي يمارسها بعض سكان القارة الأفريقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق