حسين عبدالحسين
لتهديدات التي وجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي مايكل فلين، لم تكن تهديدات فارغة فحسب، بل من شأنها أن تكشف —في وقت مبكر من رئاسة ترامب— أن معظم تصريحاته واهية واستعراضية، لا لضعف الولايات المتحدة الاقتصادي أو العسكري، فأميركا مازالت قوية جداً ويمكنها تحطيم نظام الجمهورية الإسلامية في إيران برمته خلال أسابيع، بل لأن الأميركيين يجمعون على تفادي الحرب المستقبلية.. أيّ حرب.
ويعلم ترامب أنه فاز بشعبيته الضيقة بسبب وعوده بعزل الولايات المتحدة عن العالم وشؤونه، وتركيزه على شؤون الداخل والاقتصاد والوظائف. ويعلم ترامب أنه بنى صورته على رفضه الحروب، إلى حد أنه أمعن في تكرار كذبة أنه عارض حرب العراق، في وقت كان الإعلام الأميركي يبث فيديوهات تظهر ترامب وهو يعلن تأييده لتلك الحرب.
يعلم ترامب أنه لا يمكن جمع أكثر من حفنة من الأميركيين ممن يؤيدون أي حرب، ولكنه في الوقت نفسه، وبسبب نرجسيته وجنون العظمة الذي يغرق فيه، لا يمنتع عن التصرف وكأن بإمكانه الانخراط في حرب مع الإيرانيين، ويمعن في العنتريات الكلامية اعتقاداً منه أنه يظهر افتراقاً عن سلفه باراك أوباما، الذي يبدو أن التاريخ سيتذكره كأضعف رؤساء أميركا في سياسته الخارجية.
هكذا جاءت نتيجة تهديدات ترامب الفارغة مجموعة من العقوبات على مسؤولين إيرانيين متورطين في برنامج بلادهم الصاروخي، وهي عقوبات يكاد ينعدم تأثيرها. حتى الجهات غير الإيرانية التي تبيع الإيرانيين تقنية صاروخية، لا تتأثر بالعقوبات الأميركية لأنها في الغالب هيئات لا ارتباط لها مع السوق الأميركية، لذا لا تخشى من حرمانها هذه السوق أو عزلها عن النظام الاقتصادي العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن.
وتهديدات ترامب الفارغة لإيران تبدو استكمالاً لسياسة أوباما الخارجية، وهو استكمال جاء بعد أيام من خطاب المبعوثة الأميركية للأمم المتحدة نيكي هايلي، الذي كرر "نقاط كلام" إدارة أوباما، خصوصاً لناحية ربط العقوبات الأميركية على روسيا باحتلال موسكو شبه جزيرة القرم. تلى خطاب هايلي بيان البيت الأبيض، الذي أبدى امتعاضاً لمواصلة اسرائيل احتلال واستيطان الأراضي الفلسطينية.
سياسة ترامب الخارجية تبدو استكمالاً لسياسة أوباما، بالضبط كما كانت سياسة أوباما الخارجية استكمالاً لسياسة سلفه جورج بوش، وهذه هي القاعدة المعروفة عن أميركا والأميركيين، إذ إن الظروف — الداخلية والخارجية — هي التي تتحكم في الرئيس أكثر مما يتحكم الرئيس بها، ومجموعة الخيارات المتاحة أمام ترامب لا تختلف عن تلك التي كانت متاحة أمام سلفه أوباما، اللهم إلا إذا أراد ترامب الإنقلاب في سياسته من دون مراعاة المزاج الشعبي المعارض للحروب، وهو ما لا يبدو أنه في نية ترامب، الذي قدم ترشيحه لولاية رئاسية ثانية قبل أربع سنوات من موعد الانتخابات، وهو من الأمور غير المألوفة في الأعراف الأميركية، ويشي بأن ترامب — مثل أسلافه — سيضع شعبيته نصب عينيه، ولن يفرط برصيده السياسي، على عكس الإنقلاب الذي وعد به أثناء حملته.
إيران تعلم أن الرغبة الشعبية الأميركية تعيق استخدام ترامب قوة أميركا الجبارة ضدها، وهو ما سمح لضباط إيران بإطلاق عنان مخيلتهم حول صواريخهم التي ستدمر الأميركيين في حال اندلاع أي مواجهة.
أما إسرائيل، فهي ستبتلع جرعة من الواقع، إذ بعدما أمل الإسرائيليون أن يسمح رئيس أميركا الأرعن لتل أبيب القيام في العلن بما كانت تقوم به ببطء وتحت جنح الظلام، وبعدما أملت إسرائيل في أن يقضي رئيس أميركا على ايران، يبدو أن ترامب ليس ترامباً، بل يبدو أنه رئيس أميركي عادي، على الرغم من مشاغباته الكلامية ومن جنون مستشاريه.
ترامب ليس ترامباً، وتهديداته لإيران ليست تهديدات، بل ترامب في سياسته الخارجية هو أوباما، وتهديداته لإيران هي مثل خطوط أوباما الحمراء في سوريا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق