الجمعة، 17 فبراير 2017

تداعي الحكومة الاميركية

حسين عبدالحسين

لطالما أعطت الولايات المتحدة الاميركية العالم دروسا في الديموقراطية، وقدمت نفسها مثالا في الحكم ليحتذيه البشر. ويوم انتخبت غالبية فلسطينية حركة حماس، قادت واشنطن حملة مقاطعة عالمية ضد الحكومة الفلسطينية المنتخبة، حتى بعد مشاركة سلطة محمود عباس، المرضي عنه اميركيا واسرائيليا، فيها. رفض الاميركيون خيار الفلسطينيين انتخاب حكومة اسلامية لا تعترف باسرائيل، وفاتهم — او هم تغاضوا عن قصد — عن ان في اسرائيل حكومة يهودية لا تعترف بفلسطين.

اليوم وصل التضارب بين الارادة الشعبية، من جهة، والقوانين والدساتير، من جهة اخرى، شواطئ الولايات المتحدة. انتخب اكثر من 60 مليون أميركي رجلا مهزوزا شبه أميّ رئيسا لهم. دونالد ترامب لا يعترف بالنظام العالمي بأكمله، ولا بتحالف الاطلسي، ولا بقضاة أميركا، ولا بوكالاتها الاستخباراتية، ولا بالعلم الطبي او البيئي، ولا بالاحداث، ولا بوسائل الاعالم. هو رجل يعاني من امراض نفسية تتصدرها النرجسية وحب الذات، ولكنه وصل الرئاسة بارادة شعبية وانتخابات نزيهة. هذه هي المعضلة التي تعيشها أميركا اليوم، وهي معضلة تواجه كل ديموقراطيات العالم بين الحين والآخر. 

لندع مواقف ترامب وعنصريته تجاه المسلمين او سياسته في سوريا او تجاه الصين جانبا. أدرك الاميركيون انهم انتخبوا مهرجا مسرحيا أقرب الى اضحوكة منه الى رجل دولة. مراكز الادارة الاميركية، على كل المستويات، ما تزال شاغرة، بعد اكثر من 100 يوم على انتخاب ترامب. 

بعد خروج الرئيس السابق باراك أوباما من البيت الابيض، خرجت معه الحكومة الاميركية بأكملها، وحلّ محلها ترامب وزمرة من ازلامه لا يتعدون اصابع اليد الواحدة. ازلام ترامب هم، مثل معلمهم، نرجسيون يتصارعون لتوسيع نفوذهم والتآمر على بعضهم البعض. العاملون في ادارة ترامب لا تعليمات لديهم. يستفيقون صباحا على تغريدات يكتبها رئيسهم في منتصف الليل، ويسعون في النهار لتبرير ما قاله الرئيس ولتقديم سياسات تتوافق مع آرائه التافهة.

ايران كانت اول من تنبهت الى فقدان واشنطن توازنها، فامتحنتها بتجارب صاروخية باليستية. أرعد مسؤولو ترامب وهددوا، فكررت ايران التجارب، فجاء الرد الاميركي على طراز اصحابه، باهتاً لا قيمة له. كوريا الشمالية ادركت كذلك انها امام فرصة استعراض على حساب أميركا. وعد الكوريون بتجربة صاروخ نووي. غرّد ترامب: “لن يحصل ذلك”. اطلقت كوريا الشمالية صاروخها. صمت ترامب، وشاهد ردة فعله على اطلاق الصاروخ — ربما للمرة الاولى في تاريخ الرئاسة الاميركية — حشد من الاميركيين ممن كانوا يرتادون مطعم ترامب في فلوريدا، حيث اولم الرئيس الاميركي والسيدة الاولى على شرف ضيفه رئيس حكومة اليابان وقرينته. في العادة يذهب الرئيس وحاشيته الى موقع آمن لادارة الأزمة، لكن ترامب لا يبدو انه يعرف اصلا انها أزمة. قال احد الشهود العيان ان ترامب بدا صامتا وهادئا اثناء ورود انباء اطلاق الصاروخ الكوري، في وقت سارع المستشارون اليابانيون الى عرض الاطلاق مباشرة على كومبيوتر محمول امام رئيس حكومتهم. الارجح ان ترامب لم يكن هادئا، بل كان قليل الحيلة لا يعرف اين كوريا الشمالية ولا خياراته المتاحة في التصدي لها.

وفيما يسخر الاميركيون والعالم من ترامب، وحدها بعض الحكومات العربية تسابقت لنيل رضى رئيس أميركي يبدو انه في طريقه الى الهاوية. أعلن ترامب حظر دخول المسلمين الى الولايات المتحدة، هلل له مسؤولون عرب وأيدوه، فيما كان ملايين الاميركيين، في طليعتهم قادة كنائس مسيحية ومعابد يهودية، يتظاهرون ضد ترامب وعنصريته ضد المسلمين. 

لم تتأخر رحلة ترامب الى الهاوية. القضاء انهى حظره للسفر. الاستخبارات اجبرت مستشاره للأمن القومي مايكل فلين على الاعتراف انه كذّب بنفيه الحديث مع مسؤولين روس حول العقوبات الاميركية على موسكو، فاستقال فلين بعد أقل من 25 يوما على دخوله السلطة، في سابقة في التاريخ الاميركي. 

من يعرف أميركا يعرف ان خطى ترامب لن تطول، وان التحقيق في علاقة ترامب مع الروس لن يتوقف مع خروج فلين، وان المعارضة الاميركية ستطارده في المحاكم على خلفية استغلاله موقعه لاثرائه الشخصي. سيرى العرب ممن يراهنون على ترامب ان لا ترامب، ولا صهره اليهودي الاميركي جارد كوشنر، سينفعهم.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008