حسين عبدالحسين
على مدى العقدين الماضيين، نشر مثقفو الولايات المتحدة، خصوصا من اليمينيين، مجلدات ضخمة حول الفكر الارهابي الذي يحرك الاسلام المتطرف وتنظيمات مثل القاعدة. ووصف هؤلاء التطرف على انه نظرة اختزالية للعالم والحضارات، وعلى انه نظرة تسعى لتحريض الشعوب ضد بعضها البعض، وارتكاب اعمال عنفية واستعراضية للتحريض، لا تحريض الاعداء فحسب، بل تحريض المناصرين وتحويلهم من مؤيدين مسالمين الى ناشطين متطرفين.
حتى المثقفين اليساريين الاوروبيين، من امثال خبير شؤون الاسلام جيل كيبيل، بنى شهرته حول اعتباره هجمات 11 ايلول على انها كانت تؤشر الى نهاية الاسلام المتطرف، ومحاولة المهاجمين استنهاض المسلمين المعتدلين عبر التسبب باندلاع حرب شاملة بين عالمي الاسلام والمسيحية. وكان كيبيل يعتبر ان مخطط تنظيم القاعدة مصيره الفشل، لأن الحرب المذكورة لن تندلع، ولأن المتطرفين المسلمين سيبقون على الهامش، امام غالبية من المسلمين المعتدلين الذين لا يرون العالم على انه صراع او حرب بين الحضارات، بل حوار وتفاعل.
ما لم يتوقعه كيبيل هو ان تتسبب هجمات 11 ايلول بتحريض وتحريك اليمين الغربي المتطرف، وصعود الاخير على حساب المعتدلين الغربيين. لم ير كيبيل ان الغرب، مثل الشرق، يتأرجح بين تطرف واعتدال، وان صعود التطرف في الغرب أخطر بكثير من التطرف في الشرق، بسبب الامكانات المالية والعسكرية الهائلة التي يتمتع بها الغربيون.
صحيح ان ادارة الرئيس السابق جورج بوش بدت وكأنها تشارك المتطرفين المسيحيين نظرتهم الراديكالية، الا ان الحل الذي تبناه بوش كان يقضي بتحويل الشرق الى غرب، والعمل من داخل الشرق نفسه، لا القضاء عليه وافنائه في مواجهة لا تحتمل الا غالباً واحداً.
في الانتخابات الاميركية الاخيرة، وصلت الى البيت الابيض شخصيات تنظر الى العالم نظرة تتطابق مع نظرة الأقلية المتطرفة من المسلمين، وهي نظرة ترى في العالم ساحة حرب بين الحضارات والاديان.
ستيفن بانون، مستشار الرئيس الاميركي دونالد ترامب، يتشارك وأعتى المتطرفين الاسلاميين جنون الحرب وحب المواجهات الجهنمية. لكن متطرفي الاسلاميين لا يلقون ترحيبا في مجتمعاتهم ودولهم، بل هم لاجئون في كهوف العالم ومغاراته. اما بانون، فهو مستشار إستراتيجي لترامب، يجلس في “مجلس الأمن القومي”، وفي المكتب البيضاوي، يلبس بذة رسمية، ويصفق لترامب فيما يوقع الاخير اكثر المراسيم الاشتراعية تطرفا ضد المسلمين واللاجئين الى الولايات المتحدة من كل الاعراق والشعوب.
وبانون يخفي تطرفه خلف منع سفر المسلمين من سبع دول، لكن شهود عيان يقولون ان كل المسافرين المسلمين يتعرضون لمضايقات في المطارات الاميركية. كذلك، يبدو ان محاولة بانون الغاء الاقامات الدائمة للمسلمين هي فعليا تقويض برنامج الاقامات الدائمة، مع ما يعني ذلك من الاطاحة باقامات مئات مهندسي الكومبيوتر ممن يعملون في “سيليكون فالي”، عاصمة التكنولوجيا والانترنت العالمية. غالبية هؤلاء المهندسين ليسوا من المسلمين، بل من دول شرق وجنوب آسيا، وخصوصا الهند.
ومثل متطرفي العالم، يعمل بانون لقيام تحالف مسيحي عالمي، اميركي اوروبي وروسي، ضد الاعداء، الذين يتراوحون بين مسلمين وصينيين وهنود وافارقة. يعتقد بانون انه يمكن للغرب إستعادة تفوقه وسطوته بعد اكثر من نصف قرن على تهاونه وتدهور حالته.
وسبق لبانون ان وصف نفسه على انه “لينيني”، وعلى انه يسعى لتدمير الحكومة الاميركية واستبدالها بـ “حكم الشعب”، وهي العبارة التي وردت في خطاب قسم ترامب. تقويض الحكومات، والعمل لاستبدالها بهيئات عنفية، هو تعريف الارهاب حسب حكومة الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وهو التعريف الذي يتبناه بانون ويبدو انه حوله الى سياسة يعمل على تنفيذها متلطيا خلف رئيس شبه أمي هو ترامب.
ستيفن بانون هو عنصري إرهابي متطرف، لا يختلف عن ارهابيي باقي العالم الا في انه يرتدي بذة ويعمل في البيت الابيض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق