حسين عبدالحسين
التعزيزات العسكرية التي ترسلها الولايات المتحدة إلى الأراضي السورية شرق الفرات تشي بأن وزارة الدفاع الأميركية تعتقد أن الحرب التي أعلنها الرئيس السابق باراك أوباما ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" لم يكن مكتوب لها النجاح.
وصار مفهوماً الآن أن أوباما تمسك بمبدأ يسميه جنرالات واشنطن "ضبط عدد القوات" (الاختصار هو أف أم أل بالانكليزية)، وهو مبدأ يقضي بوضع سقف لعدد القوات الارضية المسموح انتشارها في أماكن الصراع، وسقف مشابه للميزانية المسموح للجنرالات انفاقها شهرياً.
وجرت العادة أن ينظر الرئيس في الولايات المتحدة إلى الحرب من وجهة نظر سياسية ورأي عام شعبي، والرأي الشعبي غالباً ما يعارض تعريض أرواح جنود أميركيين للخطر أو الإنفاق على حروب في مناطق بعيدة حول العالم. أما الجنرالات، فهم لا ينظرون للمعارك بعدد القوات، بل بالامكانيات المتاحة، أي كم كتيبة مدفعية أو مشاة أو مروحيات، أو القوة النارية المتاحة. هذا التباين بين السياسي والعسكري دفع أوباما إلى تكبيل أيدي الجيش الأميركي في الحرب ضد "داعش"، في العراق وفي سوريا.
تحت ستار السرية، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب رفع السقف الذي كان يفرضه أوباما، فبدأت وزارة الدفاع الأميركية على الفور بنشر كتيبتين في مسرح الحرب السورية ضد داعش، مع ما يعني ذلك من أن العدد المتوقع للقوات الأرضية المزمع نشرها سيبلغ ستة آلاف. لكن ترامب رفع السقف سراً، وبدأ انتشار القوات الأميركية ببطء بهدف عدم لفت الأنظار.
كيف ما اتفق، التغيير في الاستراتيجية العسكرية الأميركية في الحرب ضد "داعش" يشي بأن حرب أوباما كانت في طريقها إلى الفشل، أو على الأقل إلى تحقيق انتصار ولكن بعد حرب استنزاف دموية طويلة، على غرار الحرب المدمرة التي تقودها إيران في العراق، والتي أدت إلى تسوية تكريت والفلوجة والرمادي — والآن الموصل — بالأرض، من دون أن يلوح في الأفق نصر حاسم ضد "داعش".
الحرب الأميركية والإيرانية الفاشلة ضد "داعش"، في سوريا والعراق، هي تتمة حروب أميركا الفاشلة على مدى العقد الأخير؛ في أفغانستان، طلب الضباط الأميركيون من ترامب زيادة في القوات والامكانيات للعودة والانخراط في أطول حرب في التاريخ الأميركي. في اليمن، انهارت الحرب التي صممها مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) جون برينان، والتي كانت تقضي بالتحالف مع الحوثيين ضد القاعدة، فانقلب الحوثيون على صنعاء وانتعشت القاعدة. في العراق، استسلم أوباما للضغط الايراني وتراجع قائد أركان الجيش السابق مارتن ديمبسي عن إعادة إحياء دور "الصحوات السنية" أو تسليح البيشمركة الكردية، واكتفت واشنطن بالتهليل لمشاركة رمزية لحفنة من المقاتلين السنة في صفوف "الحشد الشعبي" التابع لـ"الحرس الثوري الايراني". أما نتيجة الإصرار الإيراني على استبعاد السنة من الحرب ضد داعش، فجاءت مخيبة كما كان متوقعاً، ما جعل الحرب مدمرة وبطيئة، وجعل الحسم متأرجحاً.
وكما في العراق، كذلك في سوريا، تصر الولايات المتحدة على التحالف مع مجموعات كردية تثير غضب أنقرة، وتالياً يمكن أن تؤدي إلى تحييد تركيا والجيش السوري الحر عن المعركة لاستعادة مدينة الرقة، وباقي الأراضي السورية من "داعش". ربما كان جنرالات أميركا ليكونوا على حق لو أن المعركة تجري على أراض كردية بحتة، مثل معركة كوباني/عين العرب. لكن المناطق المطلوب استعادتها من "داعش" ذات غالبية عربية سنية، والاستعانة بأهل هذه المناطق قد تثبت أنها أجدى بكثير من التحالف مع أبناء مناطق مجاورة جلّ ما يدفعهم الى المعركة هو ثأر تاريخي يعززه طموح استقلالي يشبه "دولة داعش" في مراهقته وعدم فهمه للموازين الدولية.
لا شك أن القوة العسكرية الأميركية جبارة ولا تضاهيها قوة حول العالم. وبالطريقة نفسها، لا يضاهي الخلل الأميركي في فهم السياسات المحلية للمناطق التي تنخرط فيها القوة الأميركية في معارك أي عبط في العالم، وهو ما يجعل الحروب الأميركية تدور وتدور وتدور من دون نتيجة تذكر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق