واشنطن - حسين عبدالحسين
يجمع المسؤولون والاقتصاديون الأميركيون، على أن انخفاض سعر الطاقة عالمياً يصب في مصلحة الولايات المتحدة، إذ غالباً ما يؤدي إلى زيادة في نمو الناتج المحلي. ويعتقد خبراء أن كل انخفاض في سعر برميل النفط بواقع 10 دولارات، يرفع من نسبة النمو نصف نقطة مئوية. لكن يبدو أن تراجع سعر الطاقة عالمياً منذ عام 2012، لا يزيد فقط النمو الاقتصادي الأميركي فحسب، بل يساهم أيضاً في ارتفاع ملحوظ بعدد الأميركيين من ضحايا حوادث السير.
وأظهر تقرير حديث لـ «المجلس القومي للسلامة»، أن حالات الموت الناجمة عن حوادث السير «بلغت 40200 العام الماضي بزيادة 6 في المئة عليها عام ٢٠١٥، و14 في المئة على عام 2014». وأشار إلى أنها «المرة الأولى التي يتخطى فيها عدد قتلى هذه الحوادث في الولايات المتحدة حاجز الـ 40 ألفاً سنوياً منذ عام 2007».
ولفت إلى أن «عدد الجرحى فيها الذين احتاجوا إلى رعاية صحية بلغ 4.6 مليون العام الماضي، أي بارتفاع 7 في المئة عن عام 2017. وقدر المجلس كلفة الأضرار الناجمة عن تعطيل عمل الضحايا وتكاليف الرعاية الطبية والإدارية لتقارير الحوادث والعاملين على مسح الأضرار وكلفتها، بـ ٤٣٢ بليون دولار عام 2016، وهو مبلغ يزيد على حجم كل الناتج المحلي في إيران في العام ذاته، البالغ 412 بليون دولار.
وعزا الخبراء سبب ازدياد عدد ضحايا حوادث القيادة إلى ارتفاع في نسبة الكيلومترات التي يقودها الأميركيون على الطرق، نتيجة انخفاض سعر النفط العالمي. وأظهرت التقارير زيادة 4 في المئة في هذه الكيلومترات العام الماضي مقارنة بـ ٢٠١٥، وهي تتوافق مع ارتفاع الاستهلاك اليومي لبراميل النفط في الولايات المتحدة والذي بلغ ذروته عام 2005، بوصوله الى 20.8 مليون برميل يومياً، ليبدأ رحلة التراجع مع الصعود القياسي في سعر النفط، ثم لينهار إلى 18.77 مليون برميل يومياً عام 2009 مع «الركود الكبير».
ومنذ ذلك التاريخ، عاد الاستهلاك الأميركي للنفط إلى الزيادة سنوياً بنسبة تراوحت بين 2 و3 في المئة، ليبلغ 19.4 مليون برميل يومياً عام 2015، مع توقع تخطيه عتبة 20 مليون برميل نهاية العام الحالي. ويستهلك سائقو السيارات نصف المصروف اليومي الأميركي، فيبلغ للآليات 9.2 مليون برميل نفط. وفيما تمثل الزيادة في استهلاك النفط الأميركي 3 في المئة فقط عام 2016 مقارنة بعام 2014، مثلت الزيادة في عدد قتلى حوادث السير أكثر من ضعف ذلك.
وتُعدّ الولايات المتحدة أكبر مستهلك للطاقة في العالم بواقع 21 في المئة من الاستهلاك الإجمالي في العالم، تليها الصين 12 في المئة فاليابان 5 في المئة، ثم الهند وروسيا وتستهلك كل منهما 4 في المئة من الإجمالي العالمي.
ومع عدم استبعاد استمرار النمو الأميركي للنفط، ازداد القلق بين مسؤولي السلامة الأميركيين. ويعتقد الخبراء أن بيانات ضحايا حوادث السير تشير إلى أنها «لا ترتبط بالكثافة السكانية وحدها في كل ولاية، بل بوجود وسائل النقل العام أو غيابها. مثلاً في الولايات الثلاثة الأكبر سكانياً، كاليفورنيا التي يقطنها 38 مليون شخص، وتكساس ٢٦ مليوناً ونيويورك ٢٠ مليوناً، بلغ عدد قتلى حوادث السير 3680 و3751 و953 على التوالي.
ويعزو الخبراء الانخفاض الكبير في عدد قتلـــى حوادث السير في نيويورك، نسبة إلى ـــعدد سكانها مقارنة بكاليفورنيا وتكساس، إلـــى وجـــود شبكة أنفاق مترو متطورة، تؤازرها شبكة باصات للنقل العام مقارنة بكاليفورنيا وتكساس، التي لا تتمتع كبرى مدنها بأي شبكات مترو، وتواجه المواصلات العامة فيها مثل الباصات، إهمال الحكومات المحلية لها.
وفي هذا السياق، قدم «المجلس القومي للسلامة» اقتراحات لخفض عدد ضحايا الحوادث، منها تشريع قوانين تفرض تقنيات السلامة في كل السيارات، لا من باب الرفاهية انما كوسائل في صلب الآليات.
ومن تقنيات السلامة التي لا تزال في باب الكماليات، «نظام مضاد الكبح»، ونظام تحذير السائق عند الانحراف خارج الطريق. وكان الكونغرس أقرّ تقنية تسمح لكل السيارات بالتواصل مع بعضها بعضاً على «الموجة القصيرة»، وهو تواصل يأمل صناع السيارات بأن يلعب دور نظام التحذير المبكر، عندما تكون آليتان متجهتين إلى اصطدام، ويمكن النظام ذاته تشغيل المكابح من دون قيام السائق بالضغط عليها.
يذكر ان كل التوصيات التي قدمها الخبراء إلى الكونغرس ومحافظي الولايات والمجالس المحلية، تُبنى على اعتبار ان سعر الطاقة سيستمر في حدوده المنخفضة في المدى المنظور، ما سيشجع الأميركيين على مزيد من القيادة، التي تؤدي الى ارتفاع إضافي في عدد ضحايا الحوادث في غياب التشدد في تطبيق القوانين، وفرض التقنيات التي يمكنها تقليص الأخطاء البشرية عند السائقين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق