حسين عبدالحسين
يحاول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أثناء زيارته واشنطن هذا الأسبوع، ثني نظيره الأميركي دونالد ترامب عن تسليح الميليشيات الكردية السورية، التي تدعمها واشنطن وتوجهها في معركة استعادة الرقة من تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش). لكن المتابعين لا يتوقعون تغييراً في الموقف الأميركي، الذي تم إعلانه استباقاً لزيارة الرئيس التركي إلى العاصمة الأميركية.
ويشكك مؤيدو تسليح الأكراد بمواقف معارضي التسليح ويتهمونهم بالولاء لأردوغان، ويتهمون اردوغان بعنصرية تاريخية تركية واضطهاد للأكراد. لكن بعيداً عن المواقف العصبية الحماسية، لا بدّ من تسجيل الملاحظات التالية.
أولاً، بالنظر إلى الماضي القريب، لا يبدو اردوغان ممن يكنّون حقداً عنصرياً ضد الأكراد، ولا يبدو ممن يحاولون وأد أي محاولة حكم ذاتي أو حتى قيام دولة كردية في الدول المجاورة، والدليل هو العلاقة الممتازة التي تتمتع بها الحكومة التركية مع حكومة كردستان العراق، وقيام أنقرة بافتتاح قنصلية لها في أربيل منذ أكثر من عقد، وتشجيع العلاقات الثنائية، وخصوصاً التجارية، بين تركيا وكردستان العراق.
ثانياً، تخشى الاستخبارات التركية ارتباط الميليشيات الكردية السورية بطهران، وقيام الأخيرة باستغلال هذه العلاقات لحضّ الأكراد على شن هجمات داخل تركيا، أو استغلال ايران علاقاتها مع الميليشيات الكردية السورية لدفعها على القيام بخطوات عسكرية غالباً ما تتناسق مع خطوات قوات الرئيس السوري بشار الأسد والمليشيات الموالية لإيران المتحالفة معه.
ثالثاً، بتسليحها الميليشيات الكردية السورية لطرد "داعش" من الرقة، تخترق واشنطن كل القواعد التي حددتها لنفسها في التعاطي مع الحروب التي تخوضها ميليشيات في العالم. فالولايات المتحدة لا تسلّح المليشيات بعد تجربة أفغانستان في الثمانينات وانقلاب تنظيم "القاعدة"، حليف واشنطن آنذاك، على الولايات المتحدة نفسها. هذه المرة، تقوم أميركا بتسليح تنظيم غير حكومي عسكري مُدرج على لائحة وزارة الخارجية الأميركية لـ "التنظيمات الإرهابية الأجنبية". ولا تنفع أوراق التوت المبتكرة، مثل محاولة إخفاء مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" خلف ميليشيات بأسماء جديدة أو تحالفات مليشيوية هشة على طراز "قوات سوريا الديموقراطية".
رابعاً، على الرغم من وعد ترامب بتقديم "خطة سرية" لإلحاق الهزيمة بـ"داعش"، لا تبدو خطة تسليح الميليشيات الكردية السورية مُبتكرة، ولا سرية. هذه الخطة المذكورة ورثها ترامب عن سلفه باراك أوباما، وتجربة الأخير في التحالف مع ميليشيات محلية لإلحاق الهزيمة بـ"القاعدة" هي تجربة، أقلّ ما يقال فيها، أنها بائسة وأدت إلى كوارث، كما يبدو جلياً في اليمن، حيث أقام مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" السابق جون برينان تحالفاً مع ميليشيات الحوثيين لطرد "القاعدة" من اليمن، فاستغلّت هذه الميليشيات قوتها الجديدة لطرد الحكومة اليمنية من صنعاء واحتلالها، مع ما نجم ذلك من حرب بين أقلية مذهبية تحتل العاصمة وغالبية مذهبية تعمل على استعادتها.
خامساً، تتعارض المراهنة على ميليشيا معينة لاستعادة أرض ما مع إصرار واشنطن على منع التسليح عن ميليشيات أخرى، فالأسباب التي ساقتها الولايات المتحدة، في عهدي أوباما والآن ترامب، لعدم تسليح المعارضة السورية الساعية للإطاحة بالأسد، هي أسباب يمكن تلخيصها في قول واشنطن إنها تخشى أن يتم استخدام السلاح، الذي قد تزوّد به المعارضين السوريين، في هجمات ضد مصالح أو أهداف أميركية في وقت لاحق، وفي قول واشنطن أن استعادة مدينة أو بلدة ما يطرح مشكلة "اليوم التالي" ومن يحكم المساحات المستعادة وكيف.
وفي تسليح واشنطن لميليشيات كردية سورية ستستعيد الرقة، سيتكرر السؤال نفسه، من يحكم الرقة في "اليوم التالي" لتحريرها؟ وهل يمكن الاستعانة بأقلية كردية لتثبيت أمن مناطق ذات غالبية عربية؟ وكيف ستضمن واشنطن- حسبما وعدت ومن المتوقّع أن يعد ترامب اردوغان كذلك- بضبط كمية ونوعية تسليح الميليشيات الكردية وتأكيد أن السلاح لن يتم استخدامه ضد أميركيين، أو ضد اتراك، أو ضد معارضين سوريين للأسد؟
معارضة تسليح واشنطن ميليشيات كردية سورية ليست عنصرية ضد الأكراد، ولا محاولة عرقلة معركة طرد إرهابيي "داعش" من الرقة، المدينة والمحافظة، بل هو تساؤل سياسي مشروع حول مصير الرقة وأهلها بعد تحريرها من "داعش"، ومصير الميليشيات الكردية التي سيتم إطلاقها من القمقم، فيما لا تلوح أي بوادر أن هذه الميليشيات ستعدّل من مواقفها المرتبطة بمحور طهران والأسد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق