الاثنين، 11 مارس 2013

أوباما والمالكي والعلاقة الصامتة

حسين عبد الحسين

تظهر سجلات البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما، لم يتحدث مع رئيس حكومة العراق نوري المالكي منذ ابريل (نيسان) الماضي، أي منذ ما يقارب العام، وأن آخر اتصال رفيع المستوى بين بغداد وواشنطن، حدث في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، عندما بادر المالكي إلى الاتصال بنائب الرئيس جو بايدن بهدف تقديم التهنئة للرئيس الأميركي، عبر نائبه، بإعادة انتخابهما لولاية ثانية.

وعلى الرغم من أن البيان الذي صدر عن مكتب بايدن، على اثر اتصال نوفمبر، ورد فيه ان “الزعيمين جددا (التزامهما) بأهمية تطبيق الاتفاقية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق”، الا أن المصادر تحدثت في حينه عن أن الحوار بين الرجلين بقي في حدود المجاملات، ومن دون الغوص في شؤون الساعة أو في تفاصيل الأحداث العراقية أو الشرق أوسطية.

أما ما قد يثبت مزاعم انقطاع الحوار الجدي بين واشنطن وبغداد، فجاء من المالكي نفسه، في المقابلة التي أجرتها مع الزميلة “الشرق الأوسط” قبل أسابيع، وقال فيها رئيس حكومة العراق إنه قال لأوباما وبايدن، “منذ عامين”، أي على الأرجح أثناء زيارة المالكي الى واشنطن، ولقائه الرجلين في ديسمبر (كانون الأول) 2011، ان بشار الأسد لن يسقط.

على أن في الشرق الأوسط بعض قادة الدول ممن لإدارة أوباما علاقة مميزة معهم. بعضهم عن قناعة، من امثال رئيس حكومة تركيا رجب طيب اردوغان الذي يطلق عليه اوباما تسمية “صديقي”، ويتحادث معه بشكل متواصل. ومنهم رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو، الذي يعرف القاضي والداني أن علاقته بالرئيس الأميركي باردة، وتحكمها المصالح، ويحتمها النفوذ الذي يتمتع به الإسرائيليون داخل الكونغرس، والذي يفرض بالتالي على أوباما هذه “العلاقة المميزة” مع نتنياهو.

لكن أن يكون بين الولايات المتحدة والعراق “اتفاقية تعاون استراتيجي”، وتكون الولايات المتحدة قد انفقت ترليونات الدولارات، وخسرت أكثر من أربعة آلاف قتيل أميركي في العراق في العقد الأخير، فيما لا يتعدى الاتصال بين الرئيس الأميركي وحاكم العراق اكثر من تلفونات مجاملات بين الحين والآخر، فهذا شيء ينم عن عدم انسجام واضح بين أوباما والمالكي، ويشير الى أن العراق، الذي كانت أحد أبرز الأسباب التي دفعت اميركا الى غزوه محاولة تحويله إلى حليف استراتيجي مميز، مازال حتى الآن في مصاف الدول التي لا تحسب لها واشنطن أي حساب في لعبة الأمم، وخصوصا في شؤون الشرق الأوسط.

طبعا يقول بعض المقربين من الإدارة الأميركية إن واشنطن لا ترغب في اظهار أي تمييز في علاقاتها مع الأطراف العراقية المختلفة، وأنها تحاول الوقوف على مسافة متساوية منهم جميعا، ولكن في هذا عذر أقبح من ذنب، إذ يشير الى أن واشنطن لا تتعامل مع المالكي على أنه رئيس حكومة منتخبة ويمثل العراقيين ككل، بل مجرد زعيم لإحدى المجموعات السياسية العراقية، وانه سواسية مثل باقي السياسيين العراقيين الذين تتمتع الولايات المتحدة بعلاقة معهم.

والأغلب أن واشنطن ليست مخطئة، فالمالكي أضاع أكثر من فرصة لتحويل نفسه من زعيم حزبي إلى رئيس حكومة لجميع العراقيين، وهو بدلا من أن يعمل على لم الشمل، استخدم سلطاته في الغالب لإطاحة خصومه، وإفراغ الادارات العراقية والقضاء ممن فيها، واستبدال الموالين بهم، وهو ما جعل من واشنطن، وكثير من عواصم العالم وخصوصا الشرق أوسطية، تتنبه إلى أن رئيس الحكومة العراقية إما لا يريد أن، أو أنه لا يعرف كيف، يحكم كل العراقيين، وانه تتملكه رغبة التسلط والمناكفة السياسية.

هكذا، تحولت الشراكة الاستراتيجية الأميركية – العراقية المفترضة إلى علاقة صامتة، تماما كما تحولت علاقة المالكي بمعظم العواصم العربية من علاقة أخوة مفترضة، إلى مجاملات فارغة المعنى عبر صفحات الصحف والمقابلات التلفزيونية.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008