| واشنطن - من حسين عبد الحسين |
«أسود برج البراجنة يهزمون أرانب بيروت الشرقية»، حسب لافتة كانت معلقة في الحي الواقع في ضاحية بيروت الجنوبية في مارس من العام 1984، بعد اسابيع قليلة على ما عرف بـ «انتفاضة ستة شباط»، التي طردت خلالها ميليشيات «حركة امل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، واخرى اقل نفوذا، الجيش اللبناني مما كان يعرف بـ «بيروت الغربية».
وليام كليربورن، الذي عمل مراسلا لصحيفة «واشنطن بوست» في عواصم عربية عديدة، منها بيروت والكويت، كتب تقريرا من الضاحية الجنوبية، التي اطلق عليها تسمية «الحي الفقير»، في 7 مارس 1984، ووصف «المزاج الشيعي» يومها بالمزاج الذي ينتظر نتائج انتصاره بدلا من تعويله على الانتقام من المسيحيين.
كان قادة لبنان، من سياسيين تقليديين ومن امراء حرب، يستعدون للذهاب الى لوزان، في سويسرا، للمشاركة في واحدة من جلسات «الحوار الوطني» الكثيرة، والتي تستمر حتى يومنا هذا.
كليربورن تحدث الى مختار برج البراجنة في حينه حسين علي ناصر، الذي قال ان قصف الجيش اللبناني للحي، والذي دام اربعة ايام، كان «عشر مرات اقسى من اي شيء قام به الاسرائيليون اثناء اجتياحهم لبنان في العام 1982».
واوضح ان الجيش اللبناني كان «يعمل على تدمير منطقتنا، ولكننا نعيش في هذه المنطقة، وسوف نموت فيها، ولن نتحول الى لاجئين».
واضاف ناصر انه من واجب زعيم «حركة امل» نبيه بري ان «يحدد مسؤولية القصف، في مؤتمر لوزان، وان يعول على انتصار امل في 6 شباط من اجل تحصيل مكاسب سياسية للشيعة». وتابع: «حتى الآن لم نجن من الحكومة الا الدمار... حان الوقت ان نأخذ حقوقنا في سويسرا».
وختم ناصر: «اذا لم نذهب الى لوزان، لا يمكننا ان نتوقع ان نحصل على اي شيء، ولكن علينا ان نذهب وان نتحاور... و(الرئيس اللبناني السابق امين) الجميل سوف يدفع ثمن هذا الدمار. لقد خسر وعليه ان يدفع».
تلك هي الصورة التي نقلها كليربرون بمهارة، في ذلك الربيع من العام 1984، من لبنان الى القراء الاميركيين.
كليربورن، وهو من مواليد العام 1936، بلغ سن التقاعد في العام 2001، واستقر في استراليا، موطن زوجته، ونادرا ما زار الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ لتفقد وحيدته التي بقيت تسكن في موطن والدها.
في العام 2004، زار الكاتب الاميركي واشنطن، وشارك في احد اللقاءات التي كانت تناقش الحرب الاميركية في العراق واحداث الشرق الاوسط عموما. كان كليربورن يبدو متقد الذهن وهو في سن الثامنة والستين، وكان يتحدث، على هامش اللقاء، الى عدد من المشاركين عن السنوات التي امضاها في لبنان بكثير من الحنين.
وتوجه كليربورن الى اللبنانيين بالقول ان العبارات المفضلة التي كان يسمعها في لبنان كانت «اوكي، طيب»، و«يالله باي». وتحدث عن مفارقة انه في الوقت الذي انشأت فيه «منظمة التحرير الفلسطينية» ما عرف بـ «فتح لاند» في الجنوب اللبناني، كان اكثر المنتجعات اللبنانية شهرة ذلك المدعو «سمرلاند»، في منطقة الجناح في بيروت، يعج برواد الشاطئ والحفلات.
وقال كليربورن انه يوما ما في العام 1984، وقف الى جانب مقاتل يختبئ في مدخل احدى البنايات في منطقة الحمراء ويخرج بين الحين والآخر ويطلق النار من بندقيته الكلاشينكوف باتجاه الشارع المجاور. «عندما سألته عن خطوته المقبلة»، قال كليربورن: «قدم لي راديو صغيرا كان يضعه في جيبه وقال لي، اسمع، هذه اغنية يا بنت السلطان لراغب علامة جديدة واكتسحت الاسواق».
كانت الحرب الاهلية في لبنان سوريالية، حسب الكاتب الاميركي الذي عاش فترات في اشد ايامها.
ثم اخذ الكاتب الاميركي يسأل عن اماكن معينة في العاصمة اللبنانية، مطاعم ومحلات سندويش، وعن السياسيين الذين عاصرهم: امين الجميل ونبيه بري ووليد جنبلاط. «المطاعم اقفلت والناس تغيرت»، اجاب احد المتحلقين حول كليربورن من اللبنانيين، «لكن بري وجنبلاط والجميل مازالوا هم انفسهم ولم يتغيروا».
قبل ايام، رحل كليربورن عن عمر يناهز 77 عاما بعد صراع مع المرض، وسياسيو لبنان طبعا مازالوا هم انفسهم، لم يتغيروا، وان تغير قليلا نفوذهم وادوارهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق