حسين عبد الحسين
كانت “الأوبامانيا”، أو موجة الإعجاب بالرئيس الأميركي المنتخب حديثا باراك اوباما، في قمتها في مارس (آذار) 2009، عندما أعلنت المحكمة الفيدرالية العليا نيتها السماح للشركات والمنظمات الأميركية بتقديم ما ترغب من تبرعات لأي من المرشحين الى المناصب الرسمية في الولايات المتحدة. وكان تقديم الأموال حتى ذلك الحين، يقتصر على الأفراد مع ضرورة الإعلان عن أسمائهم.
يومذاك، كان أوباما أول من تصدى للقرار، معتبرا أنه يقوض عمل الديمقراطية، ويعطي المال مجالا واسعا للتأثير في نتائج الانتخابات، واعدا بالعمل على حمل المحكمة على التراجع عنه.
ولم يكن تأثير المال وحده هو المشكلة، بل أعطى القرار أي صاحب مال فرصة الاختباء خلف شركات أو مجموعات وهمية يمكن إنشاؤها خصيصا لهدف التبرع الانتخابي، من دون الكشف عن اسم المؤسس، وهذه ثغرة استغلها أحد داعمي ميت رومني عندما تبرع بمليون دولار تحت اسم مجموعة وهمية اثارت الكثير من الحرج الإعلامي لحملة المرشح الرئاسي الجمهوري.
ومنذ نهاية الانتخابات الرئاسية العام الماضي، انتهى دور قياديين انتخابيين في صفوف حملة أوباما من أمثال العمالقة جيم ميسينا ودايفيد بلوف، والذين يعزى اليهم، كما إلى زميلهم دايفيد اكسلرود، الدور الأكبر في فوز الرئيس الأميركي بولاية ثانية.
اكسلرود عاد الى مدينته ومدينة الرئيس شيكاغو، حيث عاد الى تقديم “العلاقات العامة” و”الاستشارات” عبر شركته التي يملكها منذ ما قبل ترشيح أوباما الأول في عام 2008. أما ميسينا وبلوف، فأصبحا عاطلين عن العمل، ما دفعهما الى تأسيس جمعية غير ربحية حملت اسم “أوباما من أجل أميركا”.
وبحسب الميثاق التأسيسي، تعمل “أوباما من أجل أميركا” على دعم “أجندة” الرئيس الأميركي اعلانيا وعبر التنظيم الشعبي، وهذا عمل مألوف. أما المختلف، هذه المرة، فكان اعلان الجمعية أنها لن تفصح عن اسماء المتبرعين الماليين لديها، وأن كل أميركي يتبرع بأكثر من ربع مليون دولار، يمكن له أن يصبح عضوا في مجلس الإدارة، الذي يتمتع بدوره بفرصة التواصل مع الرئيس الأميركي عن قرب من أجل أعمال الجمعية، وربما مواضيع أخرى ذات اهتمام خاص للمتبرع نفسه.
طبعا عدم الكشف عن هويات المتبرعين ليس مخالفا للقوانين الأميركية، ولكنه مخالف لمواقف اوباما ووعوده معارضة قرار المحكمة العليا المعروف باسم “مواطنين متحدين في مواجهة الهيئة الفيدرالية للانتخابات”.
هذه المرة، كانت السلطة الرابعة هي من تصدى للرئيس الأميركي واجبرته على التراجع.
“عليه أن يعود (أوباما) إلى صوابه، وان لم يفعل، لن يكون سهلا مسح هذا الوسخ عن حذائه في وقت لاحق”، حسب افتتاحية “واشنطن بوست” التي هاجمت قرار “أوباما من أجل أميركا” بعدم الافصاح عن هوية المتبرعين.
وقالت الصحيفة، في الافتتاحية التي حملت عنوان “إغراء المال المظلم” انه “بتجاهله تحذيراته الماضية في هذا الشأن، يغوص الرئيس أوباما أكثر فأكثر في وحول حملات وسياسات مليئة بالمخاطر لولايته الثانية”. وختمت: “على الرئيس أن يقاوم إغراء رائحة المال العطرة”.
وكما “واشنطن بوست”، كذلك انقضت “نيويورك تايمز” ووسائل اعلام كثيرة أخرى على الرئيس الأميركي و”أوباما من أجل أميركا”.
وفي الوقت الذي كانت الجمعية تستعد فيه لإقامة عشائها الأول هذا الأسبوع، بحضور أوباما، أعلن ميسينا أن جمعيته ستنشر اسماء كل المتبرعين الذي سيقدمون مبالغ أكبر من 250 دولار.
وفيما كان ميسينا يتراجع، وجد الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني نفسه تحت وابل من اسئلة الصحافيين حول علاقة الرئيس بالجمعية، فحاول تصويرها وكأنها مؤسسة أخرى من مؤسسات الحزب الديمقراطي، على غرار “اللجنة المركزية” للحزب، التي تعمل على جمع التبرعات للحزب ابان الانتخابات، ويخصص لها اوباما اجزاء من وقته للقاء متبرعيها وللادلاء بخطابات في حفلاتها الكبرى.
هكذا، ومن دون الكثير من الضجيج وتحت ضغط الاعلام والرأي العام، تراجع أوباما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق