الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

قاسم سليماني ... الرجل الأقوى في الشرق الأوسط

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

في مقالة طويلة ومفصلة ومثيرة للاهتمام، نشرت مجلة «نيويوركر» ملفا القى الضوء على شخصية قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الايراني» قاسم سليماني، جاء فيها انه ابتداء من العام 2001، فتح سليماني قناة سرية مع الاميركيين، عبر ديبلوماسيين ايرانيين في جنيف، عقدوا لقاءات متكررة مع الديبلوماسي الاميركي الرفيع ريان كروكر، وعملوا خلالها على تبادل المعلومات الاستخباراتية حول قوات حركة «طالبان» وحرب اميركا في افغانستان. 
وامتد التنسيق الايراني - الاميركي ليشمل الحرب في العراق، وليشهد عرضا ايرانيا بالمزيد من الانفتاح مع الولايات المتحدة، قبل ان ينقلب الايرانيون لاحقا، ويباشروا بتسليح وتدريب مجموعات سنية وشيعية لمواجهة القوات الاميركية.
ونقل كاتب المقالة دكستر فيلكنز عن مسؤول رفيع في «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان»، والتي اصدرت قرارا ظنيا اتهم اربعة مسؤولين في «حزب الله» اللبناني بمقتل رئيس حكومة لبنان الاسبق رفيق الحريري، ان المحكمة تعتقد ان نظام بشار الاسد متورط في عملية الاغتيال كذلك، وان واحدا من خطوط الهاتف التي تم استخدامها في الجريمة تم استخدامه ايضا لاجراء اتصالات بايران، قبل وبعد الاغتيال في 14 فبراير 2005.
وروى كروكر لفيلكنز انه في الايام التي تلت هجمات 11 سبتمبر، كانت لقاءاته المتكررة مع وفد سيلماني في سويسرا تتم بسرية مطلقة، حتى عن العاملين في وزارة الخارجية. ويقول كروكر: «كنت اطير (الى جنيف) يوم الجمعة، واعود يوم الاحد حتى لا يلاحظ احد في مكتبي غيابي»، مضيفا: «كنا نسهر كل الليل وكان من الواضح لدي ان الايرانيين يأتمرون بأوامر الحاج قاسم»، وانهم كانوا حريصين على مساعدة الولايات المتحدة في القضاء على العدو المشترك، اي طالبان». 
ورغم انقطاع العلاقة بين اميركا وايران منذ العام 1980، الا ان اللقاءات السرية بين الطرفين لم تفاجئ كروكر، الذي يصف سليماني بالعملاني، ويقول عن سليماني: «لا يمكنك ان تنجو من حرب ثماني سنوات (بين العراق وايران) من دون ان تكون عملانيا». ويتابع ان سليماني كان يرسل له رسائل، «لكنه تفادى دوما ان تكون مكتوبة، فالحاج قاسم اذكى بكثير من ان يترك اثرا مكتوبا وراءه للاميركيين».
ونقل فيلكنز عن كروكر القول ان التعاون بين واشنطن وطهران امتد ليشمل المراحل الاولى من حرب افغانستان، وفي احدى المرات، زود كبير المفاوضين الايرانيين كروكر بخريطة تظهر انتشار مقاتلي الطالبان، وقال له: «هذه نصيحتنا، اضربوهم هنا اولا، ثم اضربوهم هنا، ولهذه الاسباب». وعندما سأل كروكر نظيره الايراني ان كان بامكانه ان يدون ملاحظات، اجابه المسؤول الايراني: «بامكانك الاحتفاظ بالخريطة».
وتابع فيلكنز ان «تدفق المعلومات» بين الولايات المتحدة وايران كان يتم باتجاهين، وفي احدى المرات، اعطى كروكر مفاوضه الايراني معلومات عن مكان وجود احد قياديي القاعدة في مدينة مشهد الايرانية، «فاعتقله الايرانيون وسلموه للسلطات الافغانية، التي سلمته بدورها للاميركيين». وقال المفاوض الايراني لكروكر: «الحاج قاسم سعيد جدا بتعاوننا».
واستمر التعاون الاميركي - الايراني حتى خطاب «حال الاتحاد» الذي ادلى به الرئيس السابق جورج بوش في يناير 2002، والذي وضع فيه ايران في «محور الشر». بعد ذلك، شعر كروكر ان بلاده ذاهبة الى حرب في العراق، فحاول الافادة من ذلك بابلاغ سليماني. وقال: «لم اكن مؤيدا للاجتياح، ولكني كنت افكر اننا اذا كنا سنفعل ذلك، لنرى ان كان بامكاننا استخدامه لقلب عدو (ايران) الى صديق - على الاقل من الناحية التكتيكية - وبعد ذلك لنرى اين يمكننا ان نأخذ ذلك». ورد المفاوض الايراني على كروكر ان الايرانيين مستعدون للحوار، وان «العراق، مثل افغانستان، جزء من الملف المسؤول عنه سليماني».
فيلكنز كتب انه مع انهيار نظام صدام حسين في مارس 2003، «جن جنون الايرانيين، واصروا على ارسال رسائل يطلبون فيها سلاما مع اميركا، فبعد ان شاهدوا نظامين ينهاران في افغانستان والعراق، اصبحوا مقتنعين ان دورهم هو التالي». 
وعلى اثر سقوط صدام، ارسلت واشنطن كروكر ليعمل على تشكيل «مجلس الحكم الانتقالي»، وعادت المشاورات بين كروكر وسليماني، فارسل الديبلوماسي الاميركي لائحة بالمرشحين، ولم يسم ايا من الذين اعترض عليهم سليماني. «بعد ان شكلنا مجلس الحكم، انهار كل شيء»، يقول كروكر، وبدأ سيلماني حملة تخريب، منتهزا الفرصة، خصوصا بعدما شعر بتراجع حظوظ اجتياح اميركي لايران. 
وتابع فيلكنز ان حملة سليماني ضد اميركا تخطت الانقسام السني - الشيعي، وطلب سليماني من «رئيس استخبارات نظام الأسد ان يسهل حركة المتطرفين السنة عبر سورية (الى العراق) ليحاربوا الاميركيين، وتم السماح بحرية الحركة للقاعدة في ايران... وفي مايو 2003 تلقى كروكر تقريرا استخباريا مفاده ان مقاتلي القاعدة في ايران كانوا يعدون لهجمات ضد اهداف غربية في السعودية... فطار الى جنيف ومرر تحذيرا الى الايرانيين، ولكن من دون جدوى، وفجرت القاعدة ثلاثة اهداف سكنية في الرياض، ما قتل 25 شخصا 9 منهم اميركيون».
لكن خطة سليماني انقلبت عليه، على حد تعبير ديبلوماسي غربي، الذي قال ان «سليماني اراد ان يستنزف الاميركيين، فوجه دعوة الى الجهاديين، لكن الامور خرجت عن السيطرة». لكن مع ذلك: «لم تكن سياسة ايران عدائية تماما تجاه اميركا، فالبلدان كانا يسعيان لتقوية الاكثرية الشيعية في العراق. هكذا، تنقل سليماني بين مفاوضة الاميركيين وقتلهم»، حتى انه زار المنطقة الخضراء مرة، واراد الاميركيون اعتقاله، لكنهم اعتقدوا انه لا يمكنهم ذلك.
ووصف الكاتب اساليب سليماني، فنقل عن زعماء اكراد عراقيين قولهم: «من الصعب جدا علينا ان نقول لا لسليماني، فعندما نقول لا، يتسبب لنا بمتاعب، تفجيرات واطلاق نار، فالايرانيون جيراننا، وكانوا دوما هنا، وسيبقون هنا، وعلينا التعامل معهم».
وروى فيلكنز كيف اقتحمت قوات اميركية مقر السياسي الشيعي عبدالعزيز الحكيم، ووجدت عنده قائد العمليات في فيلق القدس محسن الشيرازي، واعتقلته، لكن رئيس حكومة العراق نوري المالكي طالب بتسليمه اليه، ثم افرج عنه. 
وروى فيلكنز ايضا انه ابان تسلم قيادة القوات الاميركية في العراق الجنرال دايفيد بترايوس سلمه الرئيس جلال الطلباني خليويا فيه رسالة نصية جاء فيها: «عزيزي الجنرال بترايوس، عليك ان تعرف اني انا، قاسم سليماني، ادير سياسة ايران في العراق ولبنان وغزة وافغانستان».
وعن مقتل الحريري، قال فيلكنز، ان المسؤول اللبناني كان «يسعى الى اخراج لبنان من الفلك السوري - الايراني». ونقل عن «محقق كبير» في المحكمة الدولية قوله: «نظريتنا هي ان حزب الله ضغط على الزناد، لكنه لم يكن ليفعل ذلك من دون مباركة ودعم لوجستي من سورية وايران». 
واضاف المحقق انه من الخطوط الخليوية التي استخدمها قتلة الحريري «تم اجراء 12 اتصالا على الاقل الى ايران، قبل وبعد الاغتيال»، وان المحققين الدوليين حاولوا، ولم ينجحوا، في اقناع اجهزة الاستخبارات الغربية بمساعدتهم، ولكن فيلكنز اضاف انه «كما تبين لاحقا، فان اجهزة الاستخبارات الغربية كانت تعلم من نفذ الاغتيال»، ونقل عن مسؤول استخباراتي غربي قوله انه «تم التنصت على احاديث عملاء ايرانيين قبل الاغتيال»، وانه «كان هناك مسؤولون ايرانيون على الخط يديرون الاغتيال». 
ونقل فيلكنز عن مسؤول عراقي قوله ان حكومة المالكي تخصص 20 مليون دولار شهريا من عائدات النفط لسليماني، وهو مبلغ يكفيه للعمل رغم العقوبات على ايران. وافاد المسؤول ان «سليماني ابلغنا انه سيفعل كل ما هو ضروري» من اجل بقاء الاسد في السلطة، «فنحن (الايرانيين) لسنا كالاميركيين، ولا نتخلى عن اصدقائنا».
وقال فيلكنز في جانب من تقريره، ان ايران استطاعت، عقب الحرب مع العراق (التي شنها نظام صدام حسين في عقد الثمانينات)، الدفع بمشروع مدّ نفوذها في ارجاء العراق وسورية لغاية سواحل البحر الابيض المتوسط.
واضاف ان ايران تمكّنت الى جانب حلفائها في سورية ولبنان من تشكيل محور للمقاومة في المنطقة.
ومنذ 15 عاما حين تم تعيينه قائدا لفيلق القدس في ايران عمل سليماني على توجيه الاوضاع في الشرق الاوسط باتجاه مصالح ايران، ومع ذلك استطاع ان يبتعد عن اعين وسائل الاعلام الى حد كبير.
ووصف جون ماغوير الضابط في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي اي) سليماني بانه الرجل الاقوى في الشرق الاوسط اليوم، الا ان القليل سمع شيئا عنه.
واضاف انه حين يظهر سليماني في الاوساط العامة يحاول ان لايجتذب الانتباه اليه ونادرا مايتحدث ويتصرف بصورة تبرز شخصيته الكارزمية.
وصرح مسؤول عراقي سابق انه حين يدخل غرفة يجلس فيها 10 اشخاص مثلا لايتقدم الى الامام بل يجلس بهدوء في زاوية من الغرفة ولايتحدث مع احد او يدلي بوجهة نظره بل يجلس لوحده ويستمع الى الاخرين لكنّ جميع الحاضرين يمعنون النظر ويفكرون فيه.
ووصف المسؤول العراقي في جانب آخر من تصريحاته سليماني بالرجل الداهية والشخصية الاستراتيجية والذكي للغاية. 
وفي الاشهر الاولى من العام 2013 كان الاسد يخسر باضطراد امام مقاتلي المعارضة، واذا سقط الأسد فان ايران ستفقد صلة الوصل مع «حزب الله»، قاعدتها المتقدمة في مواجهة اسرائيل. وفي احد الخطابات قال رجل دين ايراني: «اذا خسرنا سورية فلن يمكننا المحافظة على طهران».
ورغم ان الايرانيين عانوا كثيرا من العقوبات الاميركية، فان جهودهم في انقاذ الاسد لم تتأثر، وامدوه بسبعة مليارات دولار قروض لتعويم الاقتصاد السوري. 
اما بالنسبة لسليماني، فان انقاذ الاسد مسألة شرف. وفي العام الماضي طلب سليماني من المسؤولين الاكراد السماح له بفتح خط امداد عبر شمال العراق الى سورية. هذه المرة رفض الاكراد الطلب علما انه لسنوات كان قائد فيلق القدس يحصل على تعاون الاكراد لتنفيذ خططه من خلال التخويف والرشوة. الاسوأ من ذلك ان رجال الاسد كانوا يرفضون القتال، و عندما يفعلون فانهم يرتكبون المجازر بحق المدنيين، ما يدفع الناس باتجاه تأييد مقاتلي المعارضة.
وقال سليماني لمسؤول عراقي ان «الجيش السوري لا يفيد. اعطوني فرقة باسيج واحدة وانا احتل البلد كله».
وفي النهاية بدأ سليماني يطير الى دمشق بشكل متكرر بحيث يمارس سيطرة شخصية على التدخل الايراني في سورية. 
ونقل فيلكنز عن مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية قوله ان سليماني «يدير الحرب بنفسه». ويقال انه يعمل من مبنى محصن في دمشق حيث جمع ضباطا من جنسيات متعددة يضمون قادة الجيش السوري واحد قادة «حزب الله» ومنسق عن ميليشيات شيعية عراقية قام سليماني نفسه بتحريكها للقتال. 
واذا كان لا يستطيع احضار فرقة من الباسيج، فان سليماني رضي بوجود الجنرال حسين حمداني الى جانبه وهو نائب سابق لقائد الباسيج. وحمداني خبير في العمل مع الميليشيا غير المنتظمة التي قام الايرانيون بجمعها في سورية.
وفي العام الماضي، بدأ مسؤولون غربيون يلاحظون زيادة حادة في الدعم الايراني الذي يصل عبر مطار دمشق. وبدل عدة رحلات في الاسبوع، اصبحت الطائرات الايرانية تحمل كل يوم «اطنانا» من امدادات السلاح والذخيرة اضافة الى ضباط من فيلق القدس.
ونقل فيلكنز عن مسؤولين اميركيين قولهم ان هؤلاء الضباط كانوا ينسقون الهجمات ويدربون عناصر الميليشيات وقد اقاموا نظام تنصت دقيقا على اتصالات مقاتلي المعارضة. كما اجبروا الاذرع الامنية السورية المعدة للتجسس على بعضها البعض، على التعاون في ما بينها. وقال مسؤول شرق اوسطي ان عناصر فيلق القدس، اضافة الى رجال الميليشيات العراقية الذين جاءوا معهم يعدون بالالاف، مضيفا انهم انتشروا في كل انحاء البلاد.
نقطة التحول كانت في ابريل الماضي حين تحدث سليماني الى الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله بشأن استعادة بلدة القصير القريبة من الحدود اللبنانية والتي كانت قد سقطت بايدي المقاتلين، وطلب منه ارسال الفي مقاتل لهذه الغاية. 
وقال فيلكنز ان نصر الله وسليماني صديقان قديمان كانا قد تعاونا في لبنان وفي كل انحاء العالم حيث نفذ «حزب الله» عمليات بطلب من الايرانيين. وبحسب خبير الشؤون الايرانية في معهد المشروع الاميركي ويل فيلتون، فان عناصر حزب الله طوقوا القصير، وقطعوا كل الطرق اليها ثم تحركوا نحوها. قتل العشرات منهم. كما قتل نحو ثمانية ضباط ايرانيين.
وفي الخامس من يونيو، سقطت البلدة، وقال ماغوير ان «العملية كلها كانت بتنسيق من سليماني. كانت نصرا عظيما له». وينظر الايرانيون المؤيدون للنظام الى سليماني بوصفه بطلا. وعندما يظهر علنا، يبدي تواضعا كبيرا. وفي ظهور اخير في مناسبة للحرس الثوري وصف نفسه بانه «اصغر جندي في الحرس» وقام بصد افراد من الجمهور حاولوا تقبيل يده. 
قوة سليماني تأتي في الاساس من علاقته بمرشد الجمهورية علي خامنئي الذي لا يشيد عادة الا بالجنود القتلى، غير انه وصف سليماني بانه «شهيد حي من شهداء الثورة».
ونقل فيلكنز عن الرئيس السابق لـ «الموساد» الاسرائيلي مائير داغان قوله ان سليماني يده مطلقة في تنفيذ رؤية خامنئي، مضيفا ان له علاقات في كل زاوية من زوايا النظام، واصفا اياه بانه ذكي سياسيا.
ويصفه مسؤولون ايرانيون بانه ملتزم دينيا ومؤمن بالثورة. وفي حين تمكن قادة الحرس الكبار من جمع ثروات من خلال سيطرتهم على الصناعات الايرانية الكبرى، فان خامنئي وفر لسليماني ثروة شخصية.
يعيش سليماني في طهران، وله ثلاثة ابناء وابنتان، وهو اب صارم لكنه عطوف. ويقال انه يشعر بقلق خاص على ابنته نرجس التي تعيش في ماليزيا». واوضح المسؤول الشرق اوسطي «انها تنحرف عن طريق الاسلام».
وقال مسؤول عراقي يعرفه انه «يستيقظ عند الرابعة فجرا وينام عند التاسعة والنصف مساء».
اما عن حالته الصحية، فاكد المسؤول الشرق اوسطي ان سليماني لديه مشلكة في البروستات ويعاني من الام في الظهر. 
وفي جلسة لاحدى لجان الكونغرس، قال مسؤولان اميركيان انه يجب اغتيال سليماني. واوضح احدهما انه «يسافر كثيرا. انه في كل مكان. اذهبوا واجلبوه. اعتقلوه او اقتلوه».
وقال فيلكنز ان العديد من المسؤولين الشرق اوسطيين الذين يعرفهم منذ عقود يتوقفون عن الكلام عندما يسمعون اسم سليماني، وان مسؤولا كرديا عراقيا قال له: «لا اريد الحديث عنه».
وفي اوساط الجواسيس الغربيين يقع سليماني في فئة خاصة، هي العدو المكروه والمثير للاعجاب في آن معا. او المعادل الشرق اوسطي للجاسوسة السوفياتية كارلا في قصص جون لو كاريه.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008