| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
اقتنص الرئيس الاميركي باراك أوباما الفرصة التي وفرتها المبادرة الروسية حول سورية، فأوقف مداولات الكونغرس المتعثرة حول توجيه ضربة عسكرية الى سورية، وذهب الى مجلس الأمن لاستصدار قرار يضع المبادرة القاضية بتخلي بشار الأسد عن اسلحته الكيماوية موضع التنفيذ، فيما ابقى اسطوله السادس، المتواجد قرب السواحل السورية، في مكانه وعلى أهبة الاستعداد للرد في حال فشلت الديبلوماسية.
هذه هي السياسة الاميركية الجديدة حول الوضع في سورية، والتي سيباشر في العمل على شقها الديبلوماسي وزير الخارجية جون كيري، الذي وصل موسكو اليوم للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف للبحث في تفاصيل تسليم بشار الاسد لاسلحته الكيماوية وانضمامه الى معاهدة منع انتشارها، ووضع ذلك في نص قرار يصدر عن مجلس الامن.
اما بعد الانتهاء من «المشكلة الكيماوية»، ديبلوماسيا ام عسكريا، يعود أوباما الى سياسة «ما قبل الهجوم الكيماوي»، والتي كانت مبنية على ثلاثة عناصر، هي تسليح الثوار المعتدلين، وممارسة الضغط الديبلوماسي على الاسد، وارسال المساعدات الانسانية للاجئين، مع فارق وحيد هو ان المسؤولين الاميركيين صاروا يبدون العزم على تسليح الثوار وتدريبهم جديا.
تفاصيل السياسة الاميركية الجديدة قدمها أوباما في «خطابه الى الأمة»، وهو التاسع له منذ توليه الرئاسة قبل خمسة اعوام، قال فيه انه على مدى العامين الماضيين، قاوم كل الدعوات لاستخدام قوة اميركا العسكرية لانه لا يعتقد انه يمكن لهذه القوة ان تفرض حلا للحرب الاهلية السورية.
لكن أوباما قال انه يعتقد ان على بلاده استخدام قوتها العسكرية من اجل فرض القوانين الدولية المتعلقة بحظر انتشار واستخدام اسلحة الدمار الشامل، كالأسلحة الكيماوية.
وبقوله هذا، اجاب الرئيس الاميركي على تساؤلات كثيرين في الولايات المتحدة وحول العالم عن «القيم الاخلاقية» التي تدفع واشنطن الى التحرك على اثر مقتل 1400 سوريا بأسلحة كيماوية، ولكنها لا تتحرك بعد مقتل 100 الف بأسلحة تقليدية.
وبعدما سرد أوباما الكلام الذي دأب والمسؤولون في ادارته على تكراره حول الاثباتات القاطعة التي تدين نظام الأسد في الهجوم الكيماوي على ضواحي دمشق في 21 اغسطس الماضي، حاول شرح الاسباب الكامنة حول قراره استخدام القوة العسكرية، وقال انه «عندما يرتكب الديكتاتوريون فظاعات، يعتمدون على تجاهل العالم لها حتى تذبل من الذاكرة، والسؤال الآن هو ما الذي ستفعله الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، لأن ما حدث لهؤلاء الناس، لهؤلاء الاطفال، ليس اختراقا للقانون الدولي فحسب، بل خطر على امننا القومي».
واضاف أوباما: «دعوني اشرح لماذا، لاننا اذا لم نتحرك فلن يجد نظام الأسد سببا لوقف استخدامه للأسلحة الكيماوية، ما يؤدي الى تلاشي الحظر عليها، ولن يعود هناك سبب لدى طغاة آخرين في امتلاك الغازات السامة واستخدامها، ومع الوقت، ستواجه قواتنا مجددا احتمال حرب كيماوية في ساحة المعركة، ويصبح من السهل على التنظيمات الارهابية الحصول على هذه الاسلحة، واستخدامها لمهاجمة المدنيين».
واعتبر الرئيس الاميركي انه اذا انتشر القتال الى ابعد من الحدود السورية، وقتذاك فستصبح «تركيا والاردن واسرائيل» مهددة بهذه الاسلحة، و«تتشجع حليفة الاسد، ايران، التي عليها ان تقرر ما اذا كانت ستتجاهل القانون الدولي ببنائها سلاحا نوويا، او ستأخذ مسارا سلميا».
وقال أوباما في خطابه، الذي ادلى به من «القاعة الشرقية» في البيت الابيض واستمر ربع ساعة، انه بصفته قائدا اعلى للقوات المسلحة، اتخذ قرارا بتوجيه ضربة تضعف قوات الأسد وتقضي على مقدرتها في استخدام الاسلحة الكيماوية، وان اميركا هي الدول الوحيدة القادرة على ذلك، وانه «ليس لدى الاسد الامكانات لتهديد قواتنا جديا، واي رد آخر لن يتجاوز التهديدات التي نواجهها يوميا».
واعتبر أوباما ان لا الاسد ولا حلفاءه، في اشارة الى ايران و«حزب الله» اللبناني، «لديهم المصلحة في تصعيد يؤدي الى القضاء عليه، فيما حليفتنا اسرائيل يمكنها الدفاع عن نفسها بقوة هائلة ودعم لا يهتز من الولايات المتحدة».
وكرر أوباما تبريره في الذهاب الى الكونغرس بالقول ان البلاد موحدة تكون اقوى منها منقسمة على نفسها، لكنه كشف انه طلب وقف التصويت على قانون يجيز استخدام القوة من اجل اعطاء المبادرة الروسية فرصة.
عن تطورات الايام الاخيرة والمبادرة، قال أوباما انه رأى «بعض المؤشرات المشجعة، جزئيا بسبب الامكانية الجدية لاستخدام قوتنا العسكرية، وكذلك الحوار البناء الذي عقدته مع الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين... حيث ابدت الحكومة الروسية نيتها الانضمام الى المجتمع الدولي في دفع الأسد الى التخلي عن اسلحته الكيماوية».
وتابع أوباما ان النظام السوري «اعترف الآن بامتلاكه هذه الاسلحة، حتى انه قال انه سينضم الى معاهدة حظر الاسلحة الكيماوية، التي تحظر استخدامها».
هذه التطورات دفعت الولايات المتحدة ان تعمل بالتنسيق مع حلفائها في فرنسا والمملكة المتحدة، وعن طريق الاتصال بروسيا والصين، من اجل «تقديم قرار في مجلس الامن في الامم المتحدة يلزم الاسد بالتخلي عن اسلحته الكيماوية»، حسب الرئيس الاميركي.
في هذه الاثناء، سينتظر أوباما وفريقه تقرير فريق الامم المتحدة حول هجوم 21 اغسطس، وسيعمل على حشد المزيد من التأييد العالمي من الدول التي توافق على ضرورة العمل العسكري في سورية.
وامر الرئيس الاميركي قواته «بالبقاء على تأهبها وفي مواقعها من اجل ابقاء الضغط على الأسد، ولتكون في موقع الرد في حال فشلت الديبلوماسية». اما قول أوباما انه اوقف النقاش في الكونغرس وقوله في الوقت نفسه انه امر قواته بالاستعداد للرد فيشي بأن الرئيس الاميركي قرر سحب مبادرته باشراك الكونغرس في قرار استخدام القوة العسكرية في سورية.
وختم أوباما بالقول انه «لسبعة عقود، لعبت الولايات المتحدة دور مرساة الامن العالمي، وهذا يعني اكثر من التوصل الى اتفاقيات دولية، بل يعني تطبيقها ايضا... فعبء القيادة غالبا ما يكون ثقيلا، لكن العالم اصبح مكانا افضل لاننا تحملنا هذه الاعباء».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق