| واشنطن - من حسين عبد الحسين |
في «وثيقة الدخول» التي يملأها كل من يدخل الولايات المتحدة، سؤال حول كمية النقد التي بحوزة الفرد او العائلة. كل من يصرّح عن اكثر من 10 الاف دولار، يتم تحويله الى فرع الجمارك، الذي يخضع امتعته لتفتيش أكثر دقة، ويسأله عن المبلغ الذي بحوزته وسبب حيازته المبلغ. ويحدث في اوقات كثيرة ان يحمل المواطنون او المقيمون او الوافدون، ممن يعتزمون دخول البلاد، اكثر من 10 الاف دولار من دون ان يصرحوا عنها، واحيانا يخضع هؤلاء لتفتيش عشوائي، فيتم اكتشاف انهم لم يصرحوا بصدق عما بحوزتهم، وهنا يقع الفرد او العائلة في مشكلة قانونية مع الأمن الاميركي، تتصدرها تهمة «اعطاء تصاريح كاذبة»، وفي احيان كثيرة يتم ترحيل غير المواطنين، فيما تتم احالة المواطنين على جهات مختصة للتأكد من عدم تورطهم في عمليات تبييض اموال.
رضا ضرّاب هو رجل اعمال يحمل 3 جوازات، تركي وايراني ومقدوني. وصل ولاية فلوريدا في رحلة مباشرة من اسطنبول في مارس الماضي، هو وعائلته للسياحة في «ديزني لاند»، ولم يصرح عن الاموال التي بحوزته. عندما اوقفه الامن الاميركي، وجد انه يحمل مبلغ 103 الاف دولار اميركي.
وبسبب «اعطائه تصاريح كاذبة»، اوقفه الأمن، وتبين انه ممن وردت اسماؤهم على لائحة من يعملون على تقويض العقوبات الاقتصادية على ايران. ثم خاض الأمن في تحقيقات معه، اعطى فيها المزيد من المعلومات الكاذبة، فهو اخفى انه يحمل جوازين ايراني ومقدوني بالاضافة الى التركي، ونفى اي علاقة له مع السلطات الايرانية، وحاول اعطاء الانطباع بأنه يملك اموالا أقل بكثير مما يملك فعليا.
هكذا، تمت احالته الى المدعي العام الاميركي، وامرت المحكمة بفتح كل ملفاته، بما فيها الآيفون الشخصي الذي بحوزته (وهذا يحتاج الى امر محكمة بسبب تجاوزه قانون الحرية الشخصية). واكتشفت السلطات مراسلات بين ضرّاب وحاكم المصرف المركزي الايراني يخططان فيها لتجاوز العقوبات، وان لضرّاب عددا من الشركات الوهمية في تركيا ودبي ومصر ولبنان، وانه يستخدمها لنقل كميات نقد الى «المركزي» الايراني تعدت الملياري دولار، مقابل عمولة يحصل عليها من الايرانيين.
وكان ضرّاب يستخدم الذهب في تحايله على العقوبات ضد إيران. وفي إحدى المرات تم ضبط حمولة 1.5 طن من الذهب عائدة له على طائرة وصلت إلى اسطنبول من غانا قبل أن تتوجه إلى إيران.
على ان المثير في الأمر هو علاقة ضرّاب وتبرعاته لجمعية خيرية تابعة للسيدة التركية الاولى آمنة رجب طيب اردوغان. كذلك، عثرت السلطات الاميركية في ايميلاته على رسائل ارسلها الى وزراء اتراك، منهم وزير الداخلية معمر غولار، الذي عمل على اطلاق سراحه بعدما اعتقلته السلطات التركية في 2013. وكذلك، تم نقل القاضي التركي الذي تولى القضية ومحاسبته. واظهرت مراسلاته كميات الرشاوى التي سددها لوزراء اتراك.
وفي ذلك الوقت قال في التحقيقات انه مجرد موظف لدى الملياردير الإيراني العضو السابق في الحرس الثوري بابك زنجاني الذي دانته محكمة إيرانية في مارس الماضي مع متهمين آخرين بتهمة الافساد في الارض، وحكمت عليهم بالإعدام، بعد أن قالت وزارة النفط الإيرانية إنه مدين لها بأكثر من 2.7 مليار دولار من مبيعات نفط أجراها نيابة عن حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
وقررت محكمة في إسطنبول الإفراج عن ضرّاب في فبراير من العام 2014، وكذلك نجلي وزيري الداخلية والاقتصاد. ثم جرى لاحقا إسقاط جميع التهم المنسوبة إلى ضرّاب، الذي وصفه أردوغان بأنه رجل خير ساهمت أعماله في خدمة البلاد.
وبسبب قربه من السلطات التركية، علمت «الراي» ان السفارة التركية في واشنطن تراقب محاكمة ضرّاب عن كثب، وان اللوبي المؤيد لانقرة استنفر كل امكانياته لمحاولة اخراجه من السجن، كان آخرها الاسبوع الماضي، عندما قدم محاميه التماسا لنقله من السجن الى الاقامة الجبرية تحت مراقبة حراس يدفع لهم من أمواله إضافة إلى أجهزة مراقبة متطورة، فما كان من محكمة نيويورك حيث تتم محاكمته الا ان ثبتت بقائه في السجن حتى «لا تسمح له الاقامة في سجن خمس نجوم تحت حماية شركة امنية يعمل افرادها كموظفين عنده».
كما رفض الادعاء امكانية اخلاء سبيله بسند كفالة، حددها القاضي بخمسين مليون دولار. ولفت الادعاء الى ان ضرّاب قد يهرب من البلاد، وانه بسبب علاقاته الدولة وامكانياته، سيكون صعبا استرداده لمحاكمته من البلد الذي يلجأ اليه.
ويواجه ضرّاب امكانية السجن لمدة 30 عاما بسبب قيامه بتجاوز العقوبات المفروضة على ايران بتهم الارهاب، وهذه تختلف عن العقوبات التي كانت مفروضة بسبب ملف ايران النووي والتي تم رفعها مطلع العام.
وقال خبراء اتراك في العاصمة الاميركية ان اردوغان عمد الى اتهام المعارض المقيم في ولاية بنسلفانيا فتح الله غولن بتدبير اعتقال ضرّاب في تركيا لأسباب سياسية، الا ان اتهامات اردوغان واهية، حسب ما يقول الخبراء الاتراك لـ «الراي»، وهي اتهامات «يكررها فريق الرئيس التركي منذ اعتقال ضراب في أميركا».
ويختم الخبراء الاتراك في واشنطن انه «يمكن لغولن التأثير في القضاء التركي، ولكن من المستحيل له التأثير في القضاء الاميركي، وضراب مرتكب جرائم مالية كثيرة، نجح في الخروج منها بتركيا، ولكن القضاء الاميركي (الادعاء) اظهر صدق الاتهامات التركية التي تم حذفها بتهم واهية هي تهم التسييس».
وضرّاب معروف في تركيا وإيران حتى قبل فضيحة الفساد، بسبب زواجه من المغنية والممثلة التركية إبرو كنتش، التي قامت بزيارة إيران عدة مرات، وهو ابن أسرة إيرانية ثرية تنشط في مجال الذهب والأسهم والحديد، وانتقلت أثناء الحرب العراقية - الإيرانية إلى دبي وبدأت أنشطتها في مجال الصرافة والتجارة قبل أن تنقل نشاطها إلى الأسواق الواعدة في تركيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق