حسين عبدالحسين
لم يكن مبرراً القلق الذي انتاب بعض المراقبين، خصوصاً المؤيدين للثورة السورية، خوفاً من ان تكون اطلالة مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، عبر تقنية "سكايب" المتلفزة في ندوة في العاصمة الاميركية، مؤشراً على عودة ممكنة للعلاقات بين حكومة الولايات المتحدة والرئيس السوري بشار الأسد.
الندوة انعقدت في مقر "نادي الصحافة"، وهو جمعية غير حكومية، وهذه تؤجّر قاعاتها الست، في مقر النادي في "مبنى الاعلام الوطني" الواقع على الشارع 14، لأي مجموعة ترغب في اقامة نشاطات في مقرّها، ولا علاقة لأي مسؤول حكومي أميركي، حالي او سابق، بالندوة المذكورة. ويستخدم النادي عائدات الصالات، فضلاً عن اشتراكات الصحافيين المنتسبين، لتمويل موازنة المؤسسة التي تقوم بدور نقابة او اتحاد.
وكانت الحكومة الاميركية وضعت شعبان، في العام 2011، على لائحة الأشخاص المحظور التعاون معهم بتهمة ترويجها لنظام الأسد. كذلك، يمنع الحظر الاميركي شعبان من زيارة الولايات المتحدة، وهي كانت زارت واشنطن في العام 2005، يوم كانت ما تزال وزيرة في الحكومة السورية.
على أن المثير للجدل لا يكمن في شعبان، ولا في اطلالتها المتلفزة في واشنطن، بل في هوية مستضيفيها ونشاطهم، فالمجموعة التي نظّمت اللقاء ومولت أجر القاعة هي مجموعة عراقية، مغمورة، تأسست قبل فترة قصيرة تحت اسم "التحالف العالمي لانهاء القاعدة وداعش" (غافتا)، وهي -على غير عادة المجموعات ذات التأثير- لا يسكن القيمون عليها في واشنطن، بل يزورونها آتين من ولايتي ديترويت وفلوريدا.
ومن بين افراد هذه المجموعة المدعو احمد الحسيني، وهو كان احد المتحدثين في الندوة التي شهدت مشاركة شعبان. والحسيني يعمل بصفة منسق بين الحكومة العراقية وميليشيا "الحشد الشعبي" العراقية، ما دفع بالكاتب في مجلة "ويكلي ستاندرد" لي سميث، الى وصفه على انه "عميل (الجنرال في الحرس الثوري الايراني) قاسم سليماني".
أما الشخص الثاني في "غافتا"، والذي يثير الاهتمام، فهو تاجر سيارات في ولاية فلوريدا الجنوبية يحمل اسم غسان منصور، وهذا سبق ان اتهمته الادارة الاميركية بتسلمه اكثر من 3 مليون دولار من حسابات في بنوك ومحلات صيرفة لبنانية تابعة لحزب الله، كثمن سيارات قام بتصديرها الى افريقيا، حيث باعها الحزب وحقق أرباحا استخدمها لتمويل موازنته، إلى جانب عائدات نشاطات اخرى تصنفها السلطات الاميركية على انها غير شرعية.
والنشاط العراقي في الولايات المتحدة، والذي يقدم في الغالب أداءً سياسياً موالياً لايران وحلفائها في المنطقة، صار ملحوظاً منذ فترة في الولايات المتحدة.
وكان الناطق باسم "الحشد الشعبي" النائب احمد الأسدي، قد زار ولاية ديترويت قبل عام، وشارك في حفل عشاء جمع خلاله المنظمون تبرعات للميليشيا المذكورة. كما دعا الأسدي الشباب العراقيين الاميركيين المقيمين في ديترويت الى العودة الى العراق للمشاركة في القتال ضد "داعش"، والانخراط في ميليشيا "الحشد".
ربما لأن زيارة الأسدي إلى الولايات المتحدة اقتصرت على اطلالته في ديترويت البعيدة عن العاصمة، فهي لم تثر اعتراضات تذكر حينها. ولكن للنشاطات في واشنطن حسابات مختلفة، وهو الأمر الذي فجّر موجة اعتراضات على اطلالة شعبان.
وكانت اصوات المعارضين السوريين واصدقائهم علت للمطالبة بمنع شعبان من المشاركة بالندوة. لكن القانون الاميركي لا يحظر هذا النوع من النشاطات، حتى على الافراد الذين تشملهم العقوبات، وهو ما يعني ان اطلالة شعبان كانت قانونية، وتقع ضمن اطار حرية التعبير، التي يكفلها "التعديل الاول" من الدستور الاميركي.
ما يزال الأسد "مادة سامة سياسياً"، حسب التعبير الاميركي، وهو سيستمر كذلك في المدى المنظور، ولا يمكنه ازاحة هذه الصفة عنه الا قبل توقف القتال في سوريا، ومرور وقت طويل يجعل من النسيان أداة لإعادة تأهيله. لكن الوقت مايزال بعيداً عن اي امكانية لحوار أميركي مع الأسد، مباشر أم غير مباشر.
حتى عندما زار المسؤول السابق في "مجلس الأمن القومي" ستيف سايمون، الأسد في مارس/آذار 2015، أجبرت زيارته مركز الابحاث الذي كان يرتبط به، والمعروف باسم "معهد الشرق الاوسط"، الى فك ارتباطه مع سايمون وطرده، على الرغم من ان المعهد المذكور لا يتبنى موقفاً قاسياً ضد الأسد او ايران، لكن الأسد "مادة سياسية سامة" تحرق حتى مراكز الابحاث المرنة في مواقفها تجاه حاكم دمشق.
هذا يعني انه على الرغم من قانونية ندوة مثل التي شاركت فيها شعبان، فإن غالبية المؤسسات الاميركية ستتفادى رعاية نشاطات من هذا النوع بسبب تكلفتها السياسية، وهو ما يسلط الضوء على المجموعة العراقية "غافتا"، والتي يبدو أن العراقيين -وهم من المحسوبين على الحكومة العراقية وحلفائها الشيعة من "الحشد الشعبي"- لا يحرجهم القيام بدعم "حزب البعث العربي الاشتراكي"، طالما أن البعثيين الذين يدعمونهم هم من "شيعة الأسد" لا من "سنة صدام".
- See more at: http://www.almodon.com/arabworld/2016/6/6/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%A8%D8%B1%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B4%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86#sthash.3ATQfBxZ.dpuf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق