حسين عبدالحسين
الدراسة حول تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش)، التي نشرها “معهد كارنيغي للسلام” بقلم الصديق الديري (ابن دير الزور) حسن حسن تفصيلية شاملة وفيها الكثير من المعلومات القيمة التي تهدف الى تقديم “كيف يفكر هذا التنظيم”، كخطوة اولى لالحاق الهزيمة به، حسبما ينقل حسن عن الجنرال في منطقة القيادة الوسطى في الجيش الاميركي مايك ناغاتا.
ويخوض حسن في ثنايا “الفكر” الداعشي، الذي ينسبه الى المدارس الوهابية والسلفية والتكفيرية. على انها على اهميتها، تشوب دراسة العزيز حسن مشكلة، فهي لم تجب عن تصرفات ينفرد بها داعش دون غيره من تنظيمات العالم الاسلامية بأسرها. مثلا، لماذا قام داعش بمنع من يسكنون الاراضي التي يسيطر عليها من استخدام الصحون التلفزيونية اللاقطة (دش)؟
قد لا يعرف الاجابة الا من عاصر حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي حرّم على العراقيين استخدام هذه التقنية تحت ذريعة حجب الدعاية المغرضة التي يبثها اعداء الامة العربية، وهي دعاية — حسب صدام — من شأنها ان تؤدي الى اضعاف نفوس العراقيين.
كان صدام حسين يقرر كل ما يحق للعراقيين ان يشاهدونه او يقرأونه او يسمعونه. تقارير القتال من جبهات الحروب الثلاثة التي خاضها العراق كانت تأتي حصرا من وزارة الاعلام العراقية، التي راح آخر وزرائها يصرّ ان “علوج الاميركيين” لم يصلوا البصرة بعد، فيما كان الاميركيون ينقضّون على مطار صدام الدولي غرب بغداد.
كان “بعث العراق” يشوّش على موجات البث الاذاعي للدول المجاورة، وكان “الاستاذ عدي”، نجل الرئيس وصاحب “تلفزيون شباب”، يقرصن البرامج العالمية على انواعها ويبثّها. حتى الانترنت بقي بعيد المنال للعراقيين. واذكر ان مسؤولة في السفارة الايطالية اخبرتني يوما انها كانت تمرّ على مكتب الاستخبارات في مديرية كرخ بغداد، كل صباح، لتستلم “فلوبي ديسك” يحوي الايميلات التي وصلت السفارة.
هكذا كان “بعث العراق”، يقطع يد من يتم القبض عليه وفي حوزته نقد اجنبي، ما اضطر العراقيين لاستبدال تسمية “مئة دولار” بـ “ورقة”، وهي تسمية مازالت تستخدم حتى اليوم. كان الامن العراقي يقطع آذان وخشوم المتخلفين عن الخدمة العسكرية، ويلقي آخرين عن السطوح عقابا على تهم مختلفة، بعضها كان صحيحا، وبعضها الآخر كتبه متسلقو السلطة في تقاريرهم لتقديم قربان دموي يبقي البعثيين وحفلتهم الدموية مستمرة.
مع كل الاحترام للعزيز حسن، صاحب كتاب “داعش” هو والصديق الآخر مايكل وايز، وهو كتاب تصدر المبيعات في أميركا وتحول الى مرجعية حول التنظيم. ومع كل الاحترام لصديقنا الثالث في لندن مايكل اورتون، الذي نشر دراسات ومقالات حول داعش، منها في “نيويورك تايمز”، اعتبر فيها ان بوادر الاسلمة في العراق بدأت مع الحملة الايمانية التي شنها صدام حسين على اثر تضعضع حكمه بعد حرب الخليج الاولى في العام ١٩٩١، يبدو ان البحث عن دموية داعش في اسلامه بحث عقيم.
فالخبراء الثلاثة، وغيرهم، لن يعثروا على اي مذهب او مدرسة اسلامية، متطرفة او معتدلة او بين بين، يمكنها تفسير التصرفات الفظة والدموية لداعش. وحدها تقاليد “بعث العراق” هي التي يمكنها ان تقدم تفسيرات حول سبب دموية داعش، وحول عدائه لكل المسلمين الآخرين، سنة ام شيعة، وحول عدائه غير المحسوب للامبريالية.
ربما هي بعض القوى الاقليمية و العالمية التي تصرّ على إلصاق داعش بالاسلام. ربما هذه القوى هي نفسها الحريصة اليوم على الحفاظ على “بعث الأسد”، وهذا لا يقل دموية عن “بعث صدام”، مع فارق وحيد ان صدام وداعش اكثر فجاجة وصلافة في دمويتهم من دموية آل الأسد، الذين يعرفون كيف يصادقون الخارج للقضاء على الداخل. اما صدام وخلفاؤه الداعشيون، فيعتقدون ان باستطاعتهم القضاء على الداخل والخارج في الوقت نفسه.
هي ايران وشيعتها من العراقيين ممن يعرفون اكثر من غيرهم ان داعش تنظيم صدامي، وان إلصاق الاسلام به هدفه الاساءة الى باقي المسلمين العرب، فغالبية الشيعة العراقيين يسمون مقاتلي داعش “البعثيين الدواعش”. اما عندما استولى مقاتلو ايران العراقيون على تكريت، فراحوا يطلقون النار على قبر صدام، في مشهد بدا وكأنه تأكيد ان الحرب على داعش هي مجرد ثأر قديم نقل بموجبه جنرالات ايران خط الجبهة من الفاو الى الفلوجة.
اما اقحام الاسلام في داعش، والايغال في الشرح والتفسير، فتمارين فكرية لمن لا يعرفون العراق او الاسلام، او لمن يعرفون ويقولون غير ما يعرفون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق