| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
رغم إصرار مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون على أن سياستها ستكون تتمة لسياسات الرئيس باراك أوباما، الذي تظهر استطلاعات الرأي ارتفاعا غير مسبوق في شعبيته، تشير الاستعدادات التي ترافق ترشيح كلينتون للانتخابات المقررة في 8 نوفمبر إلى أنها، في حال انتخابها، ستتبنّى سياسة أميركية خارجية مختلفة جذرياً عن سياسة سلفها.
وكانت آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة «واشنطن بوست»، هذا الأسبوع، اشارت الى تقدم شاسع لكلينتون على منافسها المرشح الجمهوري دونالد ترامب، إذ حازت على 51 في المئة من التأييد، فيما توقف رصيد ترامب عند 39 في المئة.
ويتصدر فريق السياسة الخارجية في حملة كلينتون مستشار نائب الرئيس جو بايدن والديبلوماسي السابق جايك سوليفان، والذي كان أحد الإثنين اللذيْن انخرطا في ديبلوماسية سرّية مع إيران صيف العام 2013 في سلطنة عمان، وهي القناة التي أفضت إلى التوصل الى «خطة العمل المشتركة» في نوفمبر من ذلك العام، والى تجميد النشاطات النووية الايرانية، تمهيدا للتوصل إلى اتفاقية ثابتة في وقت سابق من هذا العام.
وجود سوليفان يشي بأن سياسة كلينتون الخارجية ستستمر في السعي إلى تحسين العلاقات مع ايران، وهي سياسة انتهجها الرؤساء الاميركيون المتعاقبون منذ اندلاع الثورة الايرانية في العام 1979، بدءا بالديموقراطي جيمي كارتر، مرورا بالجمهوريين رونالد ريغان وجورج بوش الاب، فالديموقراطي بيل كلينتون، فالجمهوري جورج بوش الابن، فأوباما.
على ان تمسّك ادارة كلينتون المحتملة بالتوجه التقليدي للسياسة الخارجية، والقاضي بسعي دائم للتقارب مع ايران، سيختلف عن مقاربة أوباما القائلة بالتقارب «بأي ثمن». وعلى عكس أوباما، من غير المتوقع ان تبدي كلينتون تراخيا اميركيا، لمصلحة ايران، خصوصا في العراق وسورية ولبنان.
في هذا السياق، تأتي الدراسة التي قدمها «مركز الابحاث الامنية الجديدة» بعنوان «إلحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية: مقاربة من الاسفل الى الاعلى». والدراسة هي حصيلة ستة اشهر من النقاشات لمجموعة من 35 شخصية من كبار السياسيين والديبلوماسيين والعسكريين الاميركيين، تصدّرتهم ميشيل فلورنوي، وهي مسؤولة سابقة رفيعة المستوى في وزارة الدفاع «بنتاغون»، رفضت ترشيحها الى منصب وزيرة خلفاً لتشاك هيغل، الذي طرده أوباما بسبب توجيه سؤال حول كيفية استخدام القوة الجوية الاميركية في حال هاجمت قوات الرئيس السوري بشار الأسد مقاتلي «المعارضة السورية المعتدلة»، التي حاولت واشنطن إقامتها من دون ان يكتب لها النجاح في ذلك.
وتعتقد غالبية المراقبين أن كلينتون، في حال وصولها إلى البيت الابيض، ستعيّن فلورنوي وزيرة للدفاع، ما يمنح الدراسة المذكورة اهمية خاصة. كما يعتقد كثيرون ان بعض المشاركين في إعداد الوثيقة، من امثال بطل حرب العراق ومدير الاستخبارات السابق دايفيد بترايوس، سيلعبون دورا في ادارة كلينتون المحتملة. والمعروف ان بترايوس، الذي كان من المشكّكين بحرب العراق، هو من اكبر المؤيدين للإطاحة بالأسد عسكرياً، كمقدمة لحل سياسي في سورية.
وكان «مركز أميركا للابحاث الامنية» نفسه قدم في يوليو 2008 وثيقة حملت عنوان «قيادة إستراتيجية: اطار إستراتيجية أمن قومي للقرن 21»، أعدها ثمانية ممن شغلوا ارفع المناصب في ادارة أوباما، كوكيل وزير الخارجية الحالي انتوني بلينكن. وقدمت الوثيقة الماضية الباحثة في «معهد بروكنغز» في حينه و مستشارة الأمن القومي اليوم سوزان رايس.
وجاء في دراسة 2008، التي تحولت الى دليل السياسة الخارجية للرئيس أوباما، ان على واشنطن اعادة النظر في جدوى استخدام القوى العسكرية الاميركية. واشارت دراسة 2008 الى ضرورة اعادة بناء القوة الاميركية، والاستناد الى الديبلوماسية، ومشاركة الزعامة العالمية مع القوى الصاعدة في العالم.
وبالقياس الى اهمية دراسة 2008 وتحولها الى دليل سياسة أوباما، وبمقارنة اهمية رايس في حملة أوباما الرئاسية واهمية فلورنوي في حملة كلينتون، تبدو دراسة «إلحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية» ذات اهمية كبيرة تؤشر الى انه في حال وصول كلينتون للرئاسة، فإن هذه الوثيقة ستكون مصدر إلهام كبير للسياسة الخارجية لدى الادارة المقبلة.
في الدراسة الجديدة عودة إلى الحديث عن الاستعانة بالقوة العسكرية الاميركية، ودعوة لتسليح المعارضة السورية، ولتوجيه ضربات لقوات الأسد، ولاقامة احزمة «منع قصف جوي» تمنع قوة الأسد الجوية من استهداف المناطق الخارجة عن سيطرتها. كما تطلب الوثيقة الجديدة تمويل المعارضة السورية، لا عسكرياً فحسب، بل على صعيد الخدمات المدنية لتمكينها من حكم المناطق الخاضعة لسيطرتها وتقوية مقدرتها على الحكم استعدادا لمرحلة التسوية.
وتأتي الدراسة حول كيفية إلحالق الهزيمة بـ «داعش» في خمسة فصول، هي «مقاربة جديدة»، و«بناء مجموعات معارضة متماسكة من الاسفل الى الاعلى»، و«توسيع العمليات العسكرية للقوات الاميركية»، و«زيادة الضغط على الدول الاخرى» المعنيّة بالأزمة السورية، و«إعادة خلق حكومات (محلية كمقدمة) للتفاوض حول تسوية نهائية سياسية».
وفي الدراسة أصداء لآراء ابرز الخبراء، مثل بترايوس، الذي يعتقد ان الولايات المتحدة ستنجح في القضاء على «الدولة الاسلامية»، لكن «داعش» سيتحول «من دولة الى تمرد»، وهو ما يتطلب ان يترافق المجهود الاميركي مع بناء إمكانيات اللاعبين الذين سيحلون محل «داعش» في الحكومات المحلية، وخصوصا من عشائر السنّة غرب العراق وشرق سورية.
وفي انقلاب واضح على سياسة أوباما، يدعو الفريق المحتمل لكلينتون الى تسليح «الجيش السوري الحر» في الجنوب والجنوب الغربي السوري. في الشمال، تسمي الدراسة الفصائل المطلوب تسليحها، وهي «جيش النصر» و«الفرقة الشمالية»، والتمسّك بدعم هذين الفصيلين على المدى الطويل لتحويلهما الى بديل يستقطب الفصائل الاخرى، بعيدا عن تنظيم «جبهة النصرة». أما في الشمال الشرقي، فتدعو الدراسة إلى إقامة معسكرات لتدريب معارضين من العرب السنّة ممن فروا من الاراضي التي يسيطر عليها «داعش».
وعلى عكس موقف أوباما ايضا، تدعو الدراسة إلى السماح للمستشارين العسكريين الاميركيين بالانخراط في الصفوف الامامية الى جانب المعارضة السورية والقوات العراقية، والافادة من الدقة التي يمكن للمستشارين تأمينها لتكثيف الضربات الجوية الاميركية ضد اهداف «داعش»، و«استخدام الردع العسكري» - بما في ذلك «اقامة احزمة ممنوع القصف الجوي» - لمنع الضربات الجوية التي يقوم بها الأسد وحلفاؤه» في الشمال الغربي والجنوب الغربي، وذلك لحماية مناطق المعارضة السورية والسماح لها بحكم هذه المناطق وتقديم الأمن للسكان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق