حسين عبدالحسين
في زيارة رئيس حكومة العراق نوري المالكي إلى واشنطن، لعبت معظم الأطراف المعنية، الأدوار المتوقعة منها. شركات العلاقات العامة، التي ينفق عليها المالكي أموالاً طائلة من الخزينة العراقية العامة، قدمت رأيه إلى عموم الأميركيين من خلال مقالات الرأي في أبرز الصحف الأميركية، ونظمت له محاضرة في معهد الولايات المتحدة للسلام "يو اس آي بي"، أحد أبرز مراكز الأبحاث.
وكان العنوان السائد لحملة المالكي، طلب المساعدة الأميركية لمكافحة ما يسميه الإرهاب، لا في العراق فحسب، وإنما في عموم المنطقة.
لوبيات خصوم المالكي، بدورها، قامت بنشر مقالات رأي مضادة حذرت فيها من مغبة الإطاحة بالديموقراطية في العراق، ومن تحول المالكي إلى قائد أوحد يهيمن على السلطة التنفيذية والجيش والقضاء، ويسخّرها لإبقاء نفسه في السلطة لولاية ثالثة، في الانتخابات المقررة في نيسان/ابريل المقبل، ولإقصاء خصومه، لا سيّما من السنة والأكراد.
أما أعضاء الكونغرس، فتبنى معظمهم الخط السياسي المعارض للمالكي. ومع أن بعض المعارضين في الكونغرس كانوا يعملون بتعليمات من بعض اللوبيات، إلا أن الأبرز منهم، من أمثال السناتور الجمهوري جون ماكين وزملائه ممن وجهوا رسالة إلى الرئيس باراك أوباما تحثه على ممارسة الضغط على المالكي لحمله على التراجع عن احتكار السلطة، كانوا يتصرفون من تلقاء أنفسهم.
في الجلسات الخاصة، كانت رسالة المالكي ووفده المرافق أكثر دقة. قدم رئيس الحكومة العراقية نفسه على انه الصديق الوحيد لواشنطن، التي يعاديها التحالف الايراني - السوري - اللبناني، والتي تعاني من انهيار علاقاتها في مصر، ومن ازمة مع حليفتها السعودية.
وصداقة المالكي مع الولايات المتحدة، أساسها، حسب اعتقاده، المصلحة المشتركة للاثنين في محاربة الإرهاب، وإمكانية لعب المسؤول العراقي دور الوسيط في تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن.
ومن يتذكر أحداث الشرق الأوسط ومواقف أميركا منه، قد يتذكر أن ما يقدمه المالكي يشبه إلى حد كبير ما دأب على تقديمه الرئيسان السوريان حافظ الأسد، ونجله بشار، إلى الأميركيين، على مدى العقود الماضية.
لطالما قدم حاكما دمشق نفسيهما على أنهما صديقان في منطقة ينعدم فيها الأصدقاء، وعلى أنهما يكافحان الإرهاب، وأن في ذلك مصلحة مشتركة مع واشنطن، وعلى أن بمقدورهما استخدام علاقاتهما لوساطات مع دول وتنظيمات معادية للأميركيين مثل إيران و"حزب الله" اللبناني.
ومن يتذكر الأعوام التي تلت انتخاب أوباما رئيساً في العام 2009 وحتى اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، قد يتذكر أيضاً أن هذا النموذج من العلاقات يرضي أوباما وإدارته التي كانت تبحث عن صديق وحليف في دمشق، وكادت أن تنفتح كلياً على الأسد لولا الثورة السورية.
في ظل هذا الاعتقاد جرى اللقاء بين المالكي والرئيس الأميركي، باراك أوباما. وفي وقت كان فيه الكونغرس يطالب أوباما بممارسة الضغط على المالكي من أجل الديموقراطية في العراق والابتعاد عن ايران، كان مستشارو أوباما يعملون على اقناع الكونغرس بالموافقة على بيع المالكي وجيشه كمية من الاسلحة الاميركية المتطورة، تتصدرها منظومات دفاع جوي ومروحيات اباتشي، غير مكترثين بتحذيرات صدرت عن عسكريين من امثال دايفيد بترايوس، قائد القوات الأميركية في العراق قبل الانسحاب.
بترايوس حذر من وصول مستوى العنف في العراق، الشهر الماضي، الى اعلى نسبة له منذ نيسان 2008. ومما قاله بترايوس في مقالة مطولة في "فورين بوليسي" أيضاً إن العوامل في العراق اليوم تشبه ما كانت عليه في 2006، بل قد تكون اسوأ بسبب الحرب السورية.
واضاف بترايوس ان اميركا نجحت بتثبيت الوضع في العراق في العام 2008، لا باستخدام القوة وحدها، بل بتصالحها مع الفئات الشعبية المهمشة، والتي استضافت القوات الاميركية وساندتها في إلحاق الهزيمة بالميليشيات المتمردة، السنية والشيعية.
ودعا بترايوس المالكي، ضمنياً، الى إعادة الشراكة في الحكم مع الفصائل الأخرى، معتبراً أنها الوسيلة الوحيدة لتثبيت الوضع الأمني في العراق.
طبعاً، من غير المرجح أن يستمع المالكي لنصيحة بترايوس. يعتقد أميركيون كثر أن رئيس الحكومة العراقي يزور واشنطن في محاولة لتثبيت نفسه كلاعب عراقي وحيد يمكن لاميركا وايران الاتفاق عليه لولاية ثالثة.
لكن ما قد يفوت المالكي هو أن علاقة واشنطن به هي علاقة مصلحية مبنية على بقائه رئيساً للحكومة، لا العكس، أي أن الولايات المتحدة لن تتدخل في ابقاء المالكي لولاية ثالثة بعد الانتخابات المقررة في نيسان المقبل.
ومن يعرف أوباما وادرته يعرف أن الولايات المتحدة ستتعامل بالحفاوة نفسها مع أي رئيس حكومة عراقي قد يحل محل الرئيس الحالي.
لذا، قد يكون الأجدى بالمالكي الاستماع إلى نصائح بترايوس وكسب ود خصومه العراقيين حتى يضمن بقائه لولاية ثالثة. أما علاقة أميركا مع العراق، فستبقى جيدة، مع المالكي او من دونه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق