بعدما خرجت المملكة العربية السعودية عن صمتها وابدت امتعاضها من سياسة اميركا الشرق اوسطية برفضها عضوية غير دائمة في مجلس الامن الدولي، واطلاقها بعض التسريبات عبر ديبلوماسيين وصحف اميركية، كتب دايفيد اغناتيوس، نائب رئيس تحرير صحيفة «واشنطن بوست» المعروف بقربه من الادارة، ان رسالة الرئيس باراك «أوباما الضمنية الى الرياض هي التالية: مصالحنا تختلف، تقبلوا ذلك».
واضاف اغناتيوس ان هناك دلالة كبيرة في ان ادارة أوباما لم «ترسل فورا مسؤولا كبيرا الى الممكلة من اجل اجتماعات استرضاء رفيعة المستوى». ونقل عن مسؤول في البيت الابيض قوله: «لسنا في وارد مساعدة المعارضة (السورية) على الفوز في الحرب الاهلية».
على ان جملة ما كتبه اغناتيوس تبين في ما بعد انه كان من باب الدعاية، وانه على مدى الاسبوع الماضي، «استجدت واشنطن الرياض لاستقبال وزير الخارجية جون كيري»، حسب مصادر اميركية رفيعة، قالت لـ «الراي» ان موافقة الرياض على الزيارة جاءت في اللحظة الاخيرة، ما أجبر الوزير الاميركي على تعديل برنامج رحلته الذي يتضمن دولا شرق اوسطية واوروبية، وهو انتقل من السعودية الى بولندا، ليعود بعدها الى الاردن والامارات.
وتشير المعلومات المتوافرة في العاصمة الاميركية الى ان وزارة الخارجية بلغتها انتقادات حادة على لسان رئيس الاستخبارات العامة السعودية الامير بندر بن سلطان، الذي افرغ ما بجعبته في جلسة جمعته وسفير فرنسا في الرياض برتراند بيزانسينوت، واستمرت ساعات.
وتقول المصادر الاميركية ان السفير الفرنسي قدم ملاحظاته فورا الى نظيره الاميركي جيم سميث، الذي نقلها بدوره الى وزارة الخارجية، قبل ايام عديدة من ظهورها في صحيفة «وول ستريت جورنال».
وتضيف المصادر الاميركية انه فور بلوغ الاحتجاجات السعودية العاصمة الاميركية، ادركت الادارة فداحة المشكلة، فهذه المرة الاولى منذ عقود التي تخرج فيها اي خلافات بين الدولتين الى العلن.
هكذا، اصدرت الادارة الاميركية التعلميات، على وجه السرعة، الى مسؤوليها لـ «اجراء ما يلزم لتقديم التطمينات الى الرياض وللتأكيد على متانة العلاقة بين الدولتين». وفي هذا السياق، طلب كيري من سميث اجراء الترتيبات اللازمة لزيارة فورية يقوم بها الوزير الاميركي الى السعودية للقاء كبار المسؤولين فيها.
الا ان المفاجأة السعودية للأميركيين جاءت في رفض الرياض تحديد موعد لزيارة كيري. وتضيف المصادر الاميركية ان «السعوديين قالوا ان لا لزوم لزيارة مجاملات»، وان «الرياض مستعدة لاستقبال كيري فقط ان كان لديه اي مستجدات حول سياسة بلاده للتباحث بها»، وان «لا وقت لدى الرياض لاضاعته في التباحث حول سياسة اميركا المتواضعة تجاه الشرق الاوسط»، في اشارة الى تصريح مستشارة الامن القومي سوزان رايس الى صحيفة «نيويورك تايمز»، حول سياسة واشنطن الشرق اوسطية التي تمت مراجعتها ابان تسلمها منصبها في الربيع الماضي.
وفي الرياض، تراجع كيري عما سبق لمسؤولي الادارة الاميركية الادلاء به، سرا وعلنا، حتى الآن، فمصالح اميركا والسعودية صارت متطابقة، و»لا خلافات» بينهما، في وقت ابدى الوزير الاميركي استعداد بلاده للتدخل لحماية السوريين من الحرب التي تشنها قوات الرئيس السوري بشار الاسد ضدهم.
وفي الرياض ايضا، لم تعد الشرق الاوسط «منطقة واحدة من مناطق العالم»، حسب تصريحات رايس، بل عادت اهميتها الى سابق عهدها، حسب كيري، الذي يبدو انه تطرق الى حرب تحرير الكويت عمدا لتجديد التزام اميركا امن الخليج وحلفائها في المنطقة. كما جدد كيري الموقف الاميركي القائل بأن واشنطن لن تسمح لايران بصناعة او حيازة قنبلة نووية.
ومع ان كيري لم ينقل بعد كل ما سمعه من المسؤولين السعوديين، الا ان ما وصل الى العاصمة الاميركية حتى الآن يشي بأنه سمع كلاما قاسيا في الرياض، وان العاهل السعودي كرر ما سبق ان قاله للموفد الرئاسي السابق الخاص بالملف النووي الايراني دينيس روس، في العام 2009، لناحية ان «السعودية ستشتري لنفسها برنامجا لصناعة الاسلحة النووية في حال اصبح لدى الايرانيين هكذا برنامج».
كذلك، تقول تقارير متضاربة ان كيري سمع في الرياض ما سبق ان سمعه مسؤولون اميركيون من نظرائهم الفرنسيين ان الرياض وباريس تعملان على تسليح وتدريب المعارضة السورية بشكل يؤدي الى قلب الموازين على الارض في سورية، وان لاميركا الخيار «اما الالتحاق بهذا المجهود، او البقاء خارجه».
الاجواء السعودية - الاميركية مازالت غير صافية تماما، حتى بعد زيارة كيري، الذي يبدو انه قدم بعض الوعود، وان السعوديين قالوا له انهم «سيصدقون عندما يرون افعالا».
ولأن كيري شعر انه كان يحتاج الى المزيد من المساحة للتعبير عن التزامات اميركا تجاه السعودية، فهو عقد جلسة مع موظفي السفارة الاميركية في الرياض. ورغم ان هذا النوع من الجلسات يتم تخصيصه لشكر الديبلوماسيين العاملين، الا ان كيري اغتنم الفرصة للحديث عن دور السعودية في مصر وسورية والبحرين واليمن، واشاد بالتغييرات الحاصلة في المملكة، ووصفها بأنها «الاخ الاكبر» اقليميا، في اشارة الى ان علاقة واشنطن بالرياض تتخطى العلاقات الثنائية الى شراكة كاملة واقرار بدور السعودية الاقليمي.
اما في واشنطن، فيبدو ان كيري سيعود لينقل صورة تحتاج الى اهتمام الادارة الاميركية وقد تجبرها على مراجعة كثير من سياساتها، خصوصا نحو سورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق