حسين عبدالحسين
يروي مسؤول أميركي رفيع، في الجلسات العديدة المغلقة التي سبقت انعقاد مؤتمر جنيف 2 المخصص لانتقال السلطة في سوريا، أن مراسم تشييع المقاتلين العلويين في مناطقهم في شمال غربي سوريا غالباً ما تشهد مظاهرات مناوئة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. ويعتقد المسؤول أن الاعتراض العلوي المتزايد يدفع النظام إلى التأخير في تسليم جثث المقاتلين "لأنهم لا يريدون إثارة بلبلة سياسية في عقر دارهم في القرداحة واللاذقية وتلك المناطق".
ويتابع المسؤول المذكور أن ركناً بارزاً من عائلات النظام الثلاثة، و"هو من آل شاليش، قتله علويون في بلدة بشار الاسد، القرداحة، قبل أسبوعين".
هذه الرواية الأميركية تأتي في سياق تأكيد أوساط واشنطن أن عدداً من كبار أركان نظام الأسد من العلويين يتصلون بها بحثاً عن مخرج من الدوامة الدموية التي وضعهم فيها الأسد. "ما أريد قوله هو أن الطائفة العلوية تتحمل جلّ القتال، وإن رأى هؤلاء مخرجاً، فهم لا شك سيأخذونه".
ويعتقد المسؤول الأميركي أن على المعارضة السورية "تأمين هذا المخرج للعلويين المعارضين لاستمرار الأسد بالقتال"، لأن "هدف ذهاب المعارضة إلى جنيف... كي يقدموا بديلاً، رؤية بديلة، وإمكانية بديلة" عن الأسد. ويتابع المسؤول "المعارضة لو قدمت هذا البديل، فهو سيلقى رواجاً واسعاً في دمشق وفي عموم البلاد".
لذا، يؤكد المسؤول الأميركي أن الاتصالات والرسائل من داخل نظام الأسد تأتي إلى الاميركيين بشكل متواصل، ما يدفع واشنطن إلى حث المعارضة على التسريع في بناء سلطة سورية بديلة عن سلطة الأسد، يثق بها المعارضون كما عناصر من داخل النظام، بحيث تتسلم مؤسسات الدولة السورية، وتمنعها من الانهيار لعدم "تكرار السيناريو العراقي".
هذه الرواية الأميركية حول اتصال مسؤولين في نظام الاسد بمسؤولين أميركيين لاقت بعض التشكيك، خصوصاً لدى الأوساط المقربة من النظام السوري وإيران، التي دأبت على الحديث عن محاولات غربية لإعادة الاتصال مع الأسد، لإعادة تجنيده كشريك في الحرب المزعومة على الارهاب.
لكن تقارير إعادة الاتصال مع الأسد تبدو مبالغاً بها. فعلى الرغم من سعي الأسد في حديثه الأخير مع أفراد وفده أوحت وكأن عدوته الوحيدة في الغرب هي فرنسا، محيداً بذلك بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. إلا أن أوساط واشنطن تؤكد انقطاع الاتصال مع بشار الاسد تماماً، وهو ما قاله علناً وزير الخارجية جون كيري، الذي كرر وصف الأسد بالمجرم، ونفى بشكلٍ قاطع أي إمكانية للتعامل معه، حتى في المجالات الامنية.
حتى المسؤول السابق في الاستخبارات البريطانية، والذي أوردت صحيفة "وال ستريت جورنال" بأن حكومته انتدبته الصيف الماضي للقاء الأسد والتنسيق معه في كشف هويات بريطانيين انضموا للقتال إلى جانب مجموعات إسلامية متطرفة داخل سوريا، حتى هذا الشخص المقيم في بيروت بشكل متواصل منذ سنوات عديدة، والمعروف بقربه من "حزب الله" وسياسيين لبنانيين على صلة مع نظام الأسد، ما يجعل من تقاريره التي تشير إلى حصول تنسيق بريطاني مع النظام السوري مهزوزة.
تقارير الأسد وإيران حول إعادة الاتصال مع عواصم غربية هي التي دفعت المسؤولين الأميركيين إلى التأكيد، بشكل جازم ومتكرر، أن الاتصال الوحيد بين الغرب ونظام الأسد هو مع مسؤولين كبار لحثهم على الانقلاب على زعيمهم والالتحاق بعملية التسوية السياسية التي بدأت في جنيف، والتي يتوقع المسؤولون الاميركيون أن تأخذ وقتاً طويلاً.
لكن بغض النظر عن المدة التي ستستغرقها التسوية، يبدو أن واشنطن مصرّة على أن الهدف الوحيد هو إخراج الأسد وعائلته من السلطة، والإبقاء على العلويين فيها.
"اسمع، لا أعتقد أن أي أحد سبق أن تعامل مع مسؤولين في نظام الأسد لديه أوهام أن هذه العملية ستكون سريعة"، يقول المسؤول الأميركي، ويضيف: "أنا عشت كثيراً وأتذكر مفاوضات والد بشار الاسد، حافظ الاسد، مع فيليب حبيب حول الوجود الإسرائيلي في سهل البقاع عامي 1983 و1984".
ويختم المسؤول: "النظام عنيد، واستفزازي أثناء أي مفاوضات، ويقول أمور مثيرة للغضب، وعلينا جميعا أن ندرك أن جنيف هو بداية العملية، وأنها لن تكون سريعة، وأنها ستقترن مع قتال عنيف على الأرض، لذا سيكون مطلوباً بشكل حاسم الصبر والإصرار".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق