| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في تقريرمفصل في ملحق صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «كيف غيّرت القاعدة حرب سورية؟»، نقلت سارة بيركه عن ديبلوماسي غربي رفيع في اسطنبول قوله ان «سورية الآن هي مشكلة امنية، وليست مشكلة اطاحة (الرئيس السوري) بشار (الاسد) ومساعدة السوريين على الوصول الى ما يريدون».
ولأن العواصم الغربية بدأت، منذ فترة، بالنظر الى الصراع في سورية على انه جزء من المواجهة العالمية ضد الارهاب، اهتمت اوساط واشنطن جدا بمتابعة المعارك المندلعة بين فصائل الثوار السوريين ومقاتلي تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) الذي يقوده العراقي ابراهيم السامرائي، الملقب بأبي بكر البغدادي، والذي تضعه واشنطن على رأس لائحة الارهابيين المطلوبين لديها مع مكافأة للقبض عليه تبلغ 10 ملايين دولار.
وكانت احدث التقارير الواردة من الشمال السوري اشارت الى تقدم كبير في الايام الاخيرة للثوار ضد مقاتلي «داعش» في محافظات حلب وادلب والرقة. ويعزو الخبراء تقدم الثوار الى الاستياء الشعبي الواسع من «داعش» وممارستها.
وكتبت بيركه انه «في غضون شهرين بعد استيلاء الثوار على مدينة الرقة في مارس 2013، اعدم داعش ثلاثة علويين في ساحة المدينة، واقام محاكم شرعية وقوة شرطة لتطبيق احكامه... وقيل للنساء ان عليهن ارتداء الحجاب، وتم منع التدخين وفصل الصبيان عن البنات في المدارس، وتم طرد الاقليات، وقيل للصحافيين وعمال الاغاثة الاجانب انه غير مرحب بهم، واعتقل داعش العشرات منهم».
لكن السوريين يريدون عمال الاغاثة لمساعدتهم، كما يرغبون في وجود الصحافيين الاجانب لتوثيق العنف الذي مارسه ضدهم كل من قوات بشار الاسد وحلفائها، وكذلك قوات «داعش». كذلك، اعترض السوريون، حسب الخبراء، لا على التفسير المتشدد للدين الاسلامي حسب «داعش» فقط، بل ايضا لكون معظم مقاتلي هذه المجموعة، والذين يقدر عددهم بستة الى عشرة الاف، من غير السوريين.
وعلى اثر هجوم قام به «داعش» ضد مقر لمجموعة «عاصفة الشمال» التابعة لـ «الجيش السوري الحر» في اعزاز، طلبت الاخيرة المساندة من «لواء التوحيد»، وهو اكبر فصائل الثوار بعدد مقاتلين يقدر بـ 12 الفا. منذ ذلك الحين، والثوار السوريون يتباحثون في جدوى شن هجوم ساحق ضد «داعش»، او تأجيله الى وقت لاحق بهدف عدم تشتيت قوى الثورة ضد الاسد.
ثم كانت سلسلة ممارسات قام بها «داعش» بحق الثوار من قبيل محاولة السيطرة على المعابر مع تركيا، واجتياح بلدة كفرنبل واعتقال ناشطيها الاعلاميين، وهم من الابرز في سورية. كل هذه الاحداث سرعت في المواجهة التي اندلعت قبل اقل من اسبوع، والتي شنت بموجبها «الجبهة الاسلامية» هجوما على كل مقار واماكن تواجد «داعش».
و«الجبهة الاسلامية» هي تحالف مؤلف من «حركة أحرار الشام» الاسلامية، و«كتائب انصار الشام»، و«لواء الحق»، و«صقور الشام»، و«لواء التوحيد»، و«جيش الاسلام» و«الجبهة الكردية الاسلامية»، ويقود عملياتها العسكرية زهران علوش، وهو من السلفيين المقربين من المملكة العربية السعودية ولكنه ممن لا يتبنون «الجهاد العالمي»، وهو ما دفع واشنطن الى محاولة التواصل مع مجموعته قبل اسابيع، من دون ان تتمكن من ذلك.
«الجبهة الاسلامية تم انشاؤها لاهداف ثلاثة»، يقول الخبير مايكل ويس في مقابلة اجرتها معه «الراي». ويقول ويس ان «الجبهة الاسلامية أنشئت حتى تكون جيشا ثوريا قادرا على الاطاحة بالأسد، وحتى تقوم بعزل داعش كليا، وحتى تمتص مقاتلين من جبهة النصرة»، التي تصنفها اميركا تنظيما ارهابيا على غرار «داعش».
ويصف ويس المواجهة التي شنتها «الجبهة الاسلامية» ضد «داعش» بـ «الايجابية، بل الايجابية جدا، من دون ان نكون تحت وهم ان ذلك يعني نهاية القاعدة في سورية تماما».
الايجابية التي تحدث عنها ويس كررها مسؤولون اميركيون تحدثوا الى «الراي» على شرط عدم ذكر اسمائهم. وقال هؤلاء ان «قيام الثوار السوريين بشن حرب ضد الارهابيين يرسل رسالة الى العالم مفادها ان في سورية شركاء في الحرب ضد الارهاب غير النظام، وان هؤلاء يستأهلون كل الدعم، وان لا حاجة لإعادة القنوات مع الأسد كسبيل وحيد لمواجهة التمدد الارهابي في سورية».
وكانت بيركه كتبت في «نيويورك تايمز» ان «بعض وكالات الاستخبارات، بما فيها الالمان، اعادت روابطها مع الحكومة السورية». واضافت انه «من الممكن تخيل المزيد من اعادة التأهيل لنظام الأسد مع نمو خطر القاعدة»، وتابعت الكاتبة الاميركية: «اقترح بعض المحللين ان على الغرب ان يبحث عن استراتيجية لصحوة سنية في سورية على نمط النموذج العراقي، اي دفع النقود لميليشيات العشائر السنية لقتال القاعدة، لكن حتى الآن لا توجد مؤشرات في الغرب تدل على ذلك».
ولكن يبدو انه في سورية، على خلاف العراق، لم تنتطر «الصحوة السنية» الغرب او امواله، اذ «قام الثوار من غير المتطرفين الاسلاميين بشن هجومهم ضد القاعدة لتخليص انفسهم وبلداتهم من جنون داعش»، حسب مسؤول اميركي، الذي يتابع القول: «السوريون اخذوا المبادرة، ما سيفرض علينا وعلى حلفائنا اللحاق بهم ودعمهم، فهذه فرصة يندر ان تتكرر».
ويختم المسؤول قوله: «نحن نتابع المواجهات بين الثوار والارهابيين في سورية باهتمام، وخطواتنا المقبلة ستكون مبنية على تطور هذه المواجهات».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق