| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
لم تكد الاجهزة الامنية اللبنانية المختصة، والمتضاربة، تنهي مسحها لمسرح جريمة اغتيال وزير المال السابق محمد شطح في 27 ديسبمبر، حتى نقل تلفزيون «المنار» التابع لـ «حزب الله» عن «صحيفة السفير»، التي نقلت بدورها عن «مصادر امنية رسمية»، قولها ان السيارة المفخخة التي استهدفت شطح كانت «سرقت من منطقة الغبيري على يد ناشطين في جماعة فتح الاسلام».
و«فتح الاسلام»، حسب الروايات التي يتبناها «حزب الله»، هو تنظيم يحصل على تمويله واسلحته من جهات مقربة من رئيس حكومة لبنان السابق ورئيس «كتلة المستقبل» البرلمانية فؤاد السنيورة، على حد زعم سيمور هيرش، الكاتب في «مجلة نيويوركر»، الذي نقل في مقالة له معلومات عن العميل السابق في وكالة الاستخبارات البريطانية اليستر كروك، المقرب من «حزب الله» والذي يسكن بيروت.
بعد حديث «المنار» بأيام، اورد موقع المحطة مقالة جاء فيها ان «الأدلة الجنائية» في عملية تفجير شطح، و«بناء على تحقيقات وبحث الاجهزة المختصة عن الجهة الفاعلة»، هي «من البيئة التي دعمتها النائب بهية الحريري في صيدا». واضافت المقالة ان «في عمليات التفجير لم يبتعد المنفذ كثيرا عن مناخ المنظمات التكفيرية، ومناخ الحريرية السياسية التي أمنت وتؤمن لهذه المجموعات كل البنى التحتية والمساعدات اللازمة».
اذا رئيس حكومة لبنان السابق وزعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري، وعمته النائب بهية، هما من يدعمان ويمولان سلسلة التفجيرات التي تطال فريق الحريري السياسي، حسب رواية الاعلام الموالي لـ «حزب الله».
عملية اغتيال شطح تلاها تفجير حارة حريك، والذي اتهمت فيه اوساط «حزب الله» لبنانيا سنيا من منطقة وادي خالد، المحاذية لتكلخ السورية، بالقيام بالعملية بتعليمات من جهات اصولية. وترافق ذلك مع تبني الاعلام اللبناني المؤيد لـ «حزب الله» انباء عن تبني تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» المعروف بـ «داعش» للتفجير، رغم ان المصدر الوحيد لهذا التبني جاء على لسان مصدر مجهول عبر وكالة انباء «يونايتدبرس انترناشيونال»، في خبر جاء فيه ايضا ان «داعش» و«جبهة النصرة» قررا رسميا دخول لبنان.
لكن المصادر المعتادة لتنظيمي «داعش» و«النصرة» لم تتبن تفجير الضاحية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تتحدث عن نيتها «دخول لبنان»، فيما عبّر خبراء اميركيون عن شكوكهم بأن يكون التنظيمان قد اتخذا قرارا مشتركا للدخول، اذ ان التنظيمين يخوضان حربا طاحنة في الشمال السوري، وهو ما يشي بان من حاول تعميم اخبار من هذه النوع لم يعر التباين بينهما اي اهتمام، وهو ارتباك يظهر ايضا في مقالة «المنار» حيث لا تمييز بين المجموعات التكفيرية وتلك السلفية.
والحديث عن نية المجموعات الارهابية التمدد من سورية الى لبنان ليس حديثا، فصحيفة «الاخبار» اللبنانية المقربة من «حزب الله» كانت اول من اشار اليه في ديسمبر 2012، نقلا عن «مصادر امنية لبنانية رفيعة». ونقل مزاعم «الاخبار» الى الانكليزية موقع «آل مونيتور» لصاحبة السوري - الاميركي جمال دانيال المؤيد لنظام بشار الاسد وطهران.
وفي يناير 2013، كررت صحيفة «واشنطن بوست»، عبر مراسليها في لبنان، المزاعم نفسها، كذلك نقلا عن «مصادر امنية لبنانية رفيعة».
وفي يوليو 2013، وفي مقالة في مطبوعة «مركز مكافحة الارهاب» التابع لاكاديمية «وست بوينت» الاميركية العسكرية العريقة، نقل كاتب لبناني عن «الاخبار» ان «السلفية الجهادية» اقتربت من خلق «جبهة النصرة» في بلدة عرسال اللبنانية الشرقية المحاذية للحدود السورية.
هكذا، على مدى اكثر من عام، دأبت وسائل الاعلام المؤيدة لـ «حزب الله»، وكذلك الكتاب المؤيدون للحزب في المطبوعات الاميركية المختلفة، على تكرار مقولة ان «جبهة النصرة» او «الجهادية السلفية» او «المنظمات التكفيرية» كلها «شارفت» على التمدد من سورية باتجاه لبنان، على الرغم من ان الاحداث غالبا ما تشي عكس ذلك، خصوصا على ضوء مقتل زعيم «كتائب عبدالله عزام» ماجد الماجد في لبنان على ايدي القوات الامنية، وفي وقت يجد «داعش» نفسه في موقع دفاعي في سورية نفسها ويقاتل من اجل البقاء.
على ان اللافت في الامر هو انه، خارج الاعلام المؤيد لـ «حزب الله» او «المصادر الامنية اللبنانية الرفيعة»، يندر ان تقدم وسائل الاعلام العالمية اي دلائل معقولة تثبت فعلا التمدد المزعوم، غير تلك التي تنقلها عن مصادر «حزب الله».
ويقول باحثون اميركيون ان مجريات الاحداث تشي بأن المقاتلين يتوجهون من لبنان الى سورية للمشاركة في القتال، في ماعدا بعض العبوات التي يحاول متطرفون معادون لـ «حزب الله» تفجيرها في مناطق نفوذه بهدف ضربه حيث نقاط ضعفه. لكن عدا عن ذلك، لا مؤشرات الى ان «المتطرفين السنة يبحثون عن جبهات اضافية لمواجهة قوات حزب الله والأسد».
لكن بعض الكتاب الغربيين لا يكترثون، او ربما لا يعلمون، مدى مصداقية المصادر التي ينقلون عنها تقارير التمدد المتطرف من سورية الى لبنان. وكانت آخر تلك المقالات واحدة على موقع «فورين بوليسي»، ذات النفوذ الواسع في واشنطن، تحت عنوان «عاصفة بيروت المثالية». وورد في المقالة ان سنة لبنان لم يسبق ان انخرطوا في عمليات قتالية في الماضي، لكنهم اليوم يستعدون لمواجهة «حزب الله» الشيعي، وان المواجهة ممكنة بفضل استيراد الخبرات القتالية من سورية.
اما مصادر المقالة المذكورة فمبنية على «آل مونيتور»، ومقالة «واشنطن بوست» المستندة الى مصادر امنية لبنانية مجهولة، ومقالة «مركز مكافحة الارهاب».
وقال الكاتب في صحيفة «ويكلي ستاندارد» لي سميث في حديث مع «الراي»: «يبدو ان هناك مجهودا اعلاميا منسقا من جانب حزب الله والاطراف الموالية له من اجل تعميم قصة انتقال التطرف السني من سورية الى لبنان»،. واضاف: «لا توجد مصادر مستقلة لتأكيد هذه المزاعم، ولكن لسبب ما، يبدو ان بعض الاعلام الغربي يتداولها منذ فترة من دون تشكيك بمصداقيتها».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق