واشنطن - من حسين عبدالحسين
فاليري جاريت هي أكثر المستشارين قربا الى الرئيس باراك أوباما وزوجته ميشال، اذ تجمعها بهما صداقة تعود الى العام 1991 عندما منحت جاريت وظيفة لميشال روبنسن في مكتب عمدة المدينة في شيكاغو. بعد ذلك، قدمت ميشال مديرتها جاريت الى خطيبها باراك أوباما، ونشأت صداقة بين الثلاثة قامت بعدها جاريت بفتح أبواب السياسة في شيكاغو للمحامي الشاب، الذي أصبح في ما بعد سناتور في مجلس الولاية، فسناتور في مجلس شيوخ الكونغرس، فرئيسا للولايات المتحدة.
وجاريت، وهي محامية تعمل في قطاع العقارات، ناشطة أيضا في العمل العام في مدينتها شيكاغو، المعروفة في الماضي بفساد طبقتها السياسية وارتباطها بالمافيا الإيطالية – الأميركية، مثل ابن شيكاغو آل كابوني، والذي يرتكز فيلم «العراب» الشهير على شخصيته. ولفساد سياستها، اكتسبت شيكاغو، التي تقع على ضفاف بحيرة ميشيغان الضخمة، لقب «بيروت على البحيرة».
ومنذ وصوله الى البيت الأبيض، استعان أوباما بعدد لا بأس به من طبقة شيكاغو السياسية من أمثال عضو الكونغرس سابقا وعمدة المدينة حاليا رام ايمانيويل، الذي عمل رئيسا لموظفي البيت الأبيض ولعب دورا محوريا في دفع الكونغرس الى المصادقة على «قانون الرعاية الصحية» في العام 2009. وخلف ايمانيويل في منصبه سلفه في عمادة شيكاغو ورئيس جاريت سابقا ريتشارد دالي، ابن عمدة المدينة الأسطوري الذي يحمل الاسم نفسه والذي بقي في منصبه بين 1955 و1976.
لكن حتى ايمانيول، المعروف بذكائه في السياسة، لم ينجح في التعايش مع جاريت، وحاول تعيينها في منصب سناتور عن ولاية ايلينوي، في المنصب الذي خلفه أوباما ابان فوزه بالرئاسة. لكن أوباما رفض ذلك، وقال لمقربين انه لا يستطيع اخراج جاريت من «الجناح الغربي» لأن ميشال تريدها هناك.
على ان جاريت هي التي أخرجت ايمانيول من منصبه، وبقيت هي المستشارة الأقرب للرئيس وزوجته. وراحت جاريت، يقول العارفون، تبني فريقا محيطا بها من الموالين لها، فتحول فريق أوباما من فريق مبني على خبرات استعان بها من فريق سلفه بيل كلينتون الى فريق يتألف من أعضاء يؤيدون جاريت ويؤيدونه ولا يشككون في آرائهما. وجاريت نفسها هي ممن يعرفون بـ «يس ومان»، أي ممن يوافقون أوباما في كل ما يقوله، وتحولت، حسب مجلة «نيو رببليك»، الى «المهندس الأبرز للفقاعة البارزة وأحيانا الخانقة» التي صار أوباما يعيش فيها والتي تعزله عن العالم وواقعيته.
اما في ما يعني السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فيجدر ذكر ان جاريت هي من مواليد مدينة شيراز الإيرانية في العام 1956، حيث كان والدها يعمل ضمن بعثة أميركية حكومية للأطباء الأميركيين الى المناطق النامية حول العالم. وعاشت جاريت في إيران حتى الثامنة من عمرها عندما عادت عائلتها للعيش في مدينة شيكاغو.
ومع ان جاريت من الناشطين في شؤون السياسة الداخلية الأميركية، الا ان من يعرفونها يقولون انها تتحدث الفارسية، وأنها غالبا ما تحكي عن اعجابها بإيران، كحضارة قديمة وكدولة معاصرة وكثقافة غنية. ويقول هؤلاء ان جاريت من القائلين ان الولايات المتحدة هي السبب في توتر العلاقة مع إيران بسبب الانقلاب العسكري في إيران، الذي رعته مع بريطانيا وأطاح برئيس الحكومة محمد مصدق في العام 1953.
ويبدو ان رأي جاريت في إيران وفي ضرورة استعادة العلاقة الأميركية معها خلف اثرا في موقف أوباما، غير المعروف بطول باعه في شؤون السياسة الدولية.
وفي نوفمبر الماضي، على إثر توقيع اتفاقية جنيف المؤقتة بين مجموعة دول خمس زائد واحد وإيران، والتي قضت بتجميد الأخيرة أجزاء من برنامجها النووي مقابل رفع بعض العقوبات الدولية المفروضة عليها، تناقلت وسائل الاعلام الإسرائيلية خبرا مفاده ان جاريت هي التي أشرفت على قناة المفاوضات السرية بين الاميركيين والإيرانيين في سلطنة عمان، والتي أفضت في ما بعد الى توقيع المعاهدة المؤقتة في جنيف. الا ان البيت الأبيض نفى الخبر في حينه نفيا قاطعا.
اليوم، مع تزايد الحديث عن إعادة خلط أوراق في فريق أوباما، بما في ذلك تقاعد وزير دفاعه تشاك هيغل واستبداله بنائبته السابقة ميشال فلورنوي، وتعيين نائب مستشارة الأمن القومي انتوني بلينكن في المنصب الثاني في وزارة الخارجية خلفا للمتقاعد بيل بيرنز، واستبدال وزير العدل أريك هولدر بلوريتا لينش، تصاعدت الدعوات في الاعلام الأميركي لضرورة عزل جاريت.
لكن جاريت لا يبدو انها تنوي فراق عائلة أوباما حتى «يطفئون الأضواء في البيت الأبيض عند خروجهم منه في يناير 2017»، حسب صحيفة بوليتيكو، التي نشرت مقالة بعنوان «اطرد فاليري جاريت».
لكن جاريت باقية، وكذلك المفاوضات مع إيران، رغم انه بسبب الرفض الإيراني لبرنامج نووي يكون بمثابة «زينة او ديكور»، على حد تعبير أحد المسؤولين الإيرانيين، لا يبدو ان المفاوضات ستؤدي الى أي اتفاقية مع المجموعة الدولية، او رفع عقوبات، او الى عودة العلاقات الأميركية الإيرانية الى ما كانت عليه قبل العام 1979.
ومع بقاء جاريت، يبقى الفريق المؤيد للمفاوضات، داخل الإدارة وخارجها ناشطا. وفي هذا السياق، رصدت صحيفة «واشنطن فري بيكن» ايميلا داخليا ارسله مسؤول في مركز أبحاث «مشروع ترومان للأمن القومي» يحث فيه زملاءه على التصدي «لصقور المحافظين الجدد الذين يريدون ارسال بلدنا الى حرب (مع إيران) فقط للقضاء على الرئيس (أوباما)».
وتوجيه أصابع اللوم الى «المحافظين الجدد» في عرقلة التوصل الى اتفاق هو أحد أساليب اللوبي المؤيد للنظام الإيراني داخل العاصمة الأميركية، وهي العبارة ذاتها التي يرددها زعيم هذا اللوبي تريتا بارسي في مقالاته واطلالاته الإعلامية.
أما أبرز أعضاء «مجلس إدارة» مركز الأبحاث المذكور فيتضمن فلورنوي، المرشحة لخلافة هيغل، والمسؤول السابق في وزارة الدفاع كولين كال، وهو أحد مهندسي مشروع «تسليح أميركا للجيش اللبناني» وضرورة التنسيق بينه وبين «حزب الله».
الى أي مدى تؤثر جاريت على رأي أوباما في موضوع إيران؟ وماذا يحدث ان رفضت إيران نص الاتفاقية المطروحة مع حلول 24 الجاري موعد انتهاء مفاعيل الاتفاقية المؤقتة؟ وهل يمكن ان يؤدي فشل المحادثات مع إيران الى تصلب أوباما ضدها، أم ان جاريت ومجموعاتها داخل وخارج الادارة ستنجح في إبقاء الرئيس الأميركي مراهنا على طهران؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق