| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
الرئيس المنتخب أقرب إلى «تاجر شنطة» يحاول استغلال شهرته لتسويق شركاته وفنادقه ومنتجاتهلم يكد الأسبوع الأول يمر على انتخاب الجمهوري دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة حتى انهالت عليه الاتهامات بالفساد والمحاباة واستغلال السلطة. وبدلا من ان يقدم الرئيس الاميركي المقبل صورة تليق برجل دولة، اذ به يقدم صورة اقرب الى «تاجر شنطة» يحاول استغلال شهرته السياسية لتسويق شركاته وفنادقه ومنتجاته. وكذلك فعلت عائلته.
ويرى الاميركيون انها المرة الاولى التي يصل فيها الى البيت الابيض «عائلة رئاسية» كاملة. صحيح ان الرئيس جورج بوش الاب كان آخر الرؤساء ممن كان لديهم اولاد راشدون، الا ان اولاد بوش الاب لم يقربوا البيت الابيض الا في المناسبات الاجتماعية، ولم ينخرطوا في اعمال ابيهم بصفة مستشارين رئاسيين، كما يفعل اولاد ترامب وابنته اليوم.
أول فصول الفساد لاحت في فريق ترامب جاءت من جارد كوشنر، صهر الرئيس وزوج ابنته ايفانكا، الذي اتضح ان محافظ ولاية نيوجيرزي كريس كريستي - الذي كان مكلفا ادارة المرحلة الانتقالية للسلطة من ادارة الرئيس باراك أوباما الى ادارة ترامب - سبق ان ادعى قضائيا على والد كوشنر عندما كان كريستي يعمل مدعيا عاما. وللثأر من كريستي، لم يطح كوشنر به فحسب، بل اطاح بكل من قام كريستي بتعيينه في الفريق الانتقالي، بعدما قام هذا الفريق بتوقيع البيانات القانونية المطلوبة لعملية الانتقال، فتوقفت العملية الانتقالية كليا وتعثرت.
وعائلة كوشنر هم من يهود نيويورك الاثرياء ممن يعملون في قطاع العقارات، مثل ترامب. ويعتقد المتابعون ان لآل كوشنر فضائل كثيرة في انقاذ ترامب من مآزق مالية كادت تؤدي الى افلاسه التام. ويبدو انه بهدف رد الجميل، جعل ترامب من صهره جارد يده اليمنى واقرب المقربين اليه، حتى أكثر من بنته ايفانكا وابنيه دونالد الابن واريك.
في هذه الاثناء، قامت ايفانكا ترامب بعرض نماذج مشابهة للساعة التي كانت ترتديها في المقابلة الرئاسية التلفزيونية الاولى التي أدلى بها ترامب بمشاركة كل افراد عائلته. وبدا ان ايفانكا تستغل المقابلة لتسويق الساعة التي تبيعها شركات ترامب، وهو ما يعد استغلالا للسلطة، اذ ان المقابلة لم تكن اعلانا مدفوعا، بل تم اجراؤها لأن ترامب صار رئيسا للاميركيين.
وكما فعلت ايفانكا، كذلك فعل فريق ترامب، الذي نشر سيرته الذاتية وسيرة السيدة الاولى زوجته ميلانيا.
في سيرته، عدد ترامب الفنادق ومنتجعات الغولف والوكالات التي يملكها، وكذلك فعلت ميلانيا التي قدمت نفسها كصاحبة «خط مجوهرات». واعتبر المراقبون ان ربط هذه العلامات التجارية بشخص الرئيس المنتخب، وتضمين سيرته الذاتية المنشورة على موقع تابع للحكومة الفيديرالية اسماء مصالحه التجارية، هو استغلال للشهرة التي يتمتع بها الرئيس الاميركي، من اجل تسويق شركات ترامب ومنتجاته وفنادقه ومنتجعاته.
وفي السياق نفسه، اندلع نقاش واسع بين الاميركيين حول الخط الفاصل بين ترامب الرئيس وترامب رجل الاعمال. صحيح انه سبق لاثرياء اميركيين ان تولوا منصب الرئاسة، الا ان ثروات هؤلاء لا تضاهي ثروة ترامب العملاقة.
ودرج رؤساء الولايات المتحدة على تجميد اموالهم المنقولة وغير المنقولة، ووضعها في عهدة وكلاء لا يقابلونهم الى ما بعد نهاية رئاستهم. الا ان ترامب يرفض تفويض ادارة ثروته الى وكيل خارج عائلته، في نفس الوقت الذي تنخرط فيه العائلة في لعب ادوار سياسية استشارية للرئيس ترامب، وهو ما يقوض الخط الفاصل بين عملهم كرجال اعمال، وعملهم كمستشاري رئيس البلاد، وهو ما يعطي شركات ترامب في الوقت نفسه دفعا تجاريا لا سابق له، على حساب المنصب الرسمي الذي يموله دافعو الضرائب الاميركيون.
استغلال السلطة هذا، الذي بدأه ترامب وعائلته منذ الساعات الاولى لفوزه بالانتخابات الرئاسية، يقترن مع انعدام في الكفاءة لا سابق له، فالاشخاص الذين تواصل معهم فريق ترامب الانتقالي للانضمام للادارة المقبلة، لم يتم الطلب إليهم ملء استمارات معينة لكشف تاريخهم وميولهم السياسية وارتباطاتهم، وهذه استمارات عمل تختلف عن «التراخيص الامنية» التي تمنحها وكالات الاستخبارات، اثر اجرائها تحقيقات مكثفة، قبل الموافقة على تعيين اي من المرشحين في مناصبهم.
هكذا، مرت الايام العشرة الاولى وبالكاد عيّن ترامب حفنة من المسؤولين، في وقت كانت الادارات السابقة عينت على الاقل نصف الفريق المتوقع مشاركته في الادارة في الاسبوعين الاولين اللذين يليان الانتخابات الرئاسية عادة.
ولم يسهّل الجمهوريون من مهمة ترامب، فالرؤساء عادة ما يستقطبون الى اداراتهم عاملين في الادارات السابقة التي ترأسها رئيس من حزبهم، مثلا عيّن أوباما عددا كبيرا ممن سبق ان عملوا في ادارة الرئيس السابق بيل كلينتون، فيما عين الرئيس السابق جورج بوش كثيرين ممن سبق ان عملوا في ادارة والده جورج بوش الاب وسلفه الراحل رونالد ريغان.
الا ان عائلة بوش توعز الى مقربيها بالبقاء بعيدين عن ادارة ترامب، وكذلك يفعل عدد كبير من الجمهوريين، كان ابرزهم الطبيب الجراح والمرشح الرئاسي السابق بن كارسون، الذي انسحب من امكانية مشاركته في الحكومة من دون تقديم مبررات. ومع النزيف الذي يعانيه فريق ترامب في الكوادر، ومع الثأر الذي يخوضه كوشنر ضد كريستي وآخرين داخل فريق ترامب نفسه، ومع انغماس ترامب وعائلته في تسويق منتجاتهم وشركاتهم، يبدو الاسبوع الاول لرئاسة ترامب من الاسابيع الاكثر فوضى في الحكم التي مرّت على الاميركيين في ذاكرتهم المعاصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق