الاثنين، 14 نوفمبر 2016

كيف فاز ترامب برئاسة أميركا، وماذا يعني فوزه؟

بقلم حسين عبد الحسين

نشر حصريا في الكويت من قبل الراي للدراسات الإستراتيجية والبحوث

واشنطن: بعد ما اجمعت استطلاعات الرأي على تقدم المرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون على منافسها الجمهوري دونالد ترامب، وبعدما اظهرت عملية الاقتراع المبكر تقدمكلينتون، وفيما نجحت كلينتون في جمع تبرعات بلغت ضعفي ما جمعه ترامب وتاليا بثت اضعاف الدعاية الانتخابية التي بثّها، وبعدما تباهت ماكينة كلينتون الانتخابية بـ “عملية ارضية” لاخراج الاصوات للاقتراع اظهرت تفوقا تنظيميا باهرا جعل حملة ترامب تبدو هباء، فاز ترامب على كلينتون واصبح رئيسا للولايات المتحدة.

وفوز ترامب مفاجأة مكتملة العناصر. صحيح انه وحملته سبق ان اشارا الى مفاجآت على غرار مفاجأة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، على عكس استطلاعات الرأي التي سبقت الاستفتاء البريطاني، الا ان المسرح الذي كان اعده ترامب لاطلالته بعد الانتخابات كان صغيرا جدا بالقياس لمسرح كلينتون، في مؤشر انه كان يتوقع الادلاء بخطاب اعتراف بالخسارة وتنازل، فيما كانت كلينتون مستعدة لخطاب وحفل انتصار.

الخاسر الاكبر، بعد كلينتون، كانت مؤسسات وخبراء استطلاعات الرأي، التي اجمعت على تفوق كلينتون على ترامب شعبيا، وفوزها في الانتخابات. قلّة قليلة من هذه المؤسسات توقعت تقدم ترامب على كلينتون شعبيا، وهو ما لم يحصل ايضا، فكلينتون فازت على ترامب بـ ٦٠٠ الف صوت، لكنها خسرت الانتخابات بسبب نظام “الكلية الانتخابية”، الذي يمنح كل من الولايات عددا من الاصوات يتناسق مع عددها السكاني. ويحصد الفائز كل عدد اصوات موفدي الكلية الانتخابية في الولاية الواحدة حتى لو كان هامش فوزه الشعبي ضئيلا، ما يعني انه يمكن للخاسرة كلينتون ان تكتسح ولايات ضخمة مثل كاليفورنيا ونيويورك شعبيا، وان تخسر بهوامش ضئيلة في ولايات اخرى، مثل فلوريدا، فتفوز باجمالي اصوات المقترعين ولكن تخسر السباق.

اما الخطأ الضخم الذي وقعت فيه مؤسسات استطلاعات الرأي وخبراؤها، فله سببين. الأول هو الخجل الذي لف مؤيدي ترامب ومنعهم من الاعتراف امام المستفتين بنيتهم الاقتراع له، ولكن خلف ستارة الاقتراع، اطلق هؤلاء العنان لتأييدهم له. اما السبب الثاني، حسب خبراء استطلاعات الرأي انفسهم، فيرتبط بكيفية تصميم الاستفتاءات، التي تعتمد عينات نتائج الانتخابات الماضية. ما حصل في حالة ترامب، هو ان مؤيديه هم خليط من الكتل الناخبة البيضاء، التي كانت موزعة في الماضي ويبدو انها التفت حوله في هذه الانتخابات.

اما الاسباب غير التقنية التي ساهمت في خسارة كلينتون، فعديدة، ابرزها الرسالة التي وجهها مدير “مكتب التحقيقات الفدرالي” (اف بي آي) جايمس كومي الى اعضاء الكونغرس، قبل اسبوع من الانتخابات، اعلمهم فيها بنية مكتبه اعادة فتح التحقيق في استخدام كلينتون بريد الكتروني خاص اثناء عملها وزيرة للخارجية. ومع ان كومي وجه رسالة ثانية، عشية الانتخابات التي جرت في ٨ نوفمبر، قال فيها ان لا اسباب تتوفر للادعاء ضد كلينتون، الا ان الضرر لسمعة كلينتون كان احدث فعله في عيون الناخبين.

على ان الاسباب الانتخابية التقليدية لا يبدو انها لعبت دورا يذكر في هذه الدورة. فترامب هو المرشح الرئاسي الاول، منذ العام ١٩٧٦، الذي لم يقدم بياناته الضريبية. وترامب هو اول مرشح يواجه دعاوى مرفوعة بحقه، على خلفية عمليات تزوير في “جامعة ترامب” المفلسة، وقد يضطر للحضور امام المحكمة قبل قسمه اليمين الدستورية في ٢٠ يناير. لكن فضائح ترامب لا يبدو انها أثرت في رأي ناخبيه.

واذا كانت فضائح ترامب لا تؤثر في الناخبين، يعتقد بعض الخبراء ان من اقترعوا له ارادوا رفع صوتهم في وجه المؤسسة السياسية الحاكمة (استابلشمنت). لكن الانتفاضات ضد المؤسسات السياسية الحاكمة يندر ان تحدث في الاوقات التي ينمو فيها الاقتصاد وتنخفض فيها معدلات البطالة الى حدها الادنى، مثل في هذه الانتخابات. صحيح انه من الاصعب على الحزب الحاكم، في هذه الحالة الديموقراطيين، الحفاظ على البيت الابيض لولاية ثالثة، الا ان شعبية أوباما مرتفعة الى حدود قياسية تتفوق على الشعبية التي كان يتمتع بها الرئيس الاسطوري الجمهوري رونالد ريغان في الاسابيع الاخيرة من حكمه.

اذن، لا يبدو ان من اقترعوا لترامب يهتمون لشخصيته الفضائحية وتصريحاته المبعثرة والمتناقضة. ولا يبدو ان الهم الاقتصادي يحركهم، اذ ان الاقتصاد الاميركي كان في وضع جيد، عشية الانتخابات، مع اظهار البيانات الاقتصادية ان الناتج المحلي حقق نموا مرتفعا بلغ ٢,٩ في المئة في الفصل الثالث، وانخفضت البطالة الى ٤,٩ في المئة، في وقت ارتفعت مداخيل الاميركيية بواقع ٢,٤ في المئة مع حلول خريف هذا العام، مقارنة مع خريف العام الماضي.

هكذا، يتضح ان الدافع الاول خلف تغلب ترامب على كلينتون هو ما يطلق عليه الاميركيون تسمية “الحروب الثقافية”. وعلى الرغم من اسمها، لا تمت هذه الحروب الى الثقافة بصلة، بل هي تنبع من قلق ديموغرافي يسود البيض الاميركيين بسبب تقلص اعدادهم، في مقابل نمو اعداد الاميركيين من غير البيض. وتساهم هجرة اللاجئين غير الشرعيين من اميركا اللاتينية، عبر حدود الولايات المتحدة الجنوبية مع المكسيك، في المزيد من التوتر لدى البيض، الذين يعتبرون ان هؤلاء “يسرقون” اعمالهم، وانهم يحملون معهم عادات غير اميركية، ويرفعون من نسبة الجرائم وتعاطي المخدرات في البلاد. كذلك، يلقي البيض باللائمة على تراجع نفوذهم على مهاجرين آخرين، مثل العرب والمسلمين وحتى اليهود. وفي خضم هذه العداوة لدى البيض ضد غير البيض، صعدت مجموعات اليمين العنصري المتطرف بين البيض، مثل “كو كلوكس كلان”، المعادية للسود، و”الت رايت”، وهي مجموعة “النازيين الجدد”.

هذا الخوف المبالغ به بين البيض هو الذي استغله ترامب، ووعدهم باعادة البلاد الى الزمن الذي تتصوره غالبية البيض على انه زمنها وزمن أميركا الذهبي، اي عقدي الخمسينات والثمانينات (فيما يعتقد الديموقراطيون ان “ربيع الحب” والحركات الاجتماعية التحررية التي يمجدونها عاشت ذروتها في الستينات والسبعينات).

ولأن ترامب استغل الصراع العرقي، فهو بالغ في تصريحاته المعادية للأقليات، مثلما فعل ضد المسلمين الاميركيين. وقبل يومين من الانتخابات، وفي محاولة منه للفوز بولاية مينيسوتا الشمالية الاقرب للحزب الديموقراطي، وقف فيها ترامب يحذر سكانها علنا من الجريمة المتفشية بسبب جالية صومالية كبيرة مقيمة في ضواحي مدينة مينيابوليس عاصمة الولاية. هكذا، حرك ترامب حمية البيض، ودفعهم بكثافة الى صناديق الاقتراع، فتغلب على كلينتون.

لكن ترامب ارفق خطابه العنصري بوعود اقتصادية شعبوية، من قبيل نيته الانسحاب من معاهدات التجارة الحرة، واغلاق الحدود امام الورادات الصينية، وتهديد الشركات الاميركية بفرض غرامات مالية عليها ورفع التعريفات الجمركية على بضائعها المصنوعة خارج البلاد والمستوردة الى اميركا، في حال لم تعيد هذه الشركات مصانعها الى الولايات المتحدة. كما وعد ترامب بخفض الضرائب، بهدف تحفيز الاستثمارات وانفاق المستهلكين، ووعد بلجم الدين العام، وفي نفس الوقت انفاق ترليون دولار على تحديث البنية التحتية في العقد المقبل. اما الاهم في وعود ترامب، فيتجلى في اصراره ان الاقتصاد الاميركي سينمو بمعدل ٤ في المئة سنويا في سنوات حكمه الاربع المقبلة، وهو وعد يعتبره غالبية الاقتصاديون صعب المنال.

هذا يعني انه في حال لم ينجح ترامب في تحقيق النجاحات الاقتصادية التي وعد بها، قد يواجه غضبا شعبيا يهدد استمرار الغالبية الجمهورية في الكونغرس في الانتخابات النصفية في العام ٢٠١٨، وقد يهدد فرص اعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية في العام ٢٠٢٠. والحال هذه، يخشى البعض ان يحاول ترامب الاستعاضة عن فشله في الحكم بالمزيد من تأجيج الكراهية العنصرية بين البيض والاقليات، وهي سياسة قد تكون تأثيراتها على الاميركيين وعلى مستقبل امنهم الاجتماعي غير محمودة.





*حسين عبدالحسين باحث مقيم في واشنطن – الولايات المتحدة.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008