واشنطن - من حسين عبدالحسين
منذ بدء انتشار فيروس كورونا المستجد والعالم يسمع أن التوصل للقاح عملية تحتاج من 12 إلى 18 شهراً. حتى بعد مرور شهرين، يواصل الخبراء ترديد أن العالم على بُعد سنة أو سنة ونصف السنة من التوصل إلى لقاح.
وفي وقت تنخرط مختبرات العالم وأكبر الممولين في سباق لصناعة لقاح وتجريبه، يحذّر الخبراء الأميركيون من أن التراجع في أرقام المصابين، بسبب الحجر والإجراءات التي ستلي تخفيفه، ستؤثر سلباً على عملية التوصل إلى لقاح، إذ هي عملية تحتاج إلى بقاء الوباء منتشراً لإجراء التجارب المطلوبة للقاح. لذا، يدرك العلماء والممولون والمسؤولون الحكوميون أهمية السرعة في إنتاج لقاح فعّال قبل انحسار الوباء وانحسار الأهمية العالمية المنصبة عليه.
وغالبية الأميركيين، كبقية شعوب العالم، يعانون من استمرار الحجر، والبقاء من دون عمل لمدة طويلة، إذ - على الرغم من الرواتب الحكومية والمساعدات - يعاني عدد واسع من العاملين في قطاعات متنوعة توقف أعمالهم بالكامل بسبب الحجر الصحي المفروض لاحتواء انتشار الوباء.
على أن المراهنة على اكتشاف لقاح، محفوفة بالمخاطر، فالتوصل للقاح لفيروس «ايبولا»، على سبيل المثال، استغرق خمسة أعوام. لكن عزاء الأميركيين، هذه المرة، يكمن في أن الاهتمام بلقاح كورونا المستجد اكثر بكثير من «إيبولا»، الذي لم ينتشر في الدول ذات الاقتصادات المتقدمة، بل انحصر في افريقيا، ما يعني أن سوقه والقدرة الشرائية لمن يصابون به كانت أقل بكثير، وهو ما لم يثر حماسة كبرى شركات الأدوية.
في هذه الأثناء، يشير الخبراء الأميركيون إلى أن جامعة أوكسفورد البريطانية، هي حالياً في طليعة السباق للتوصل الى لقاح. وكانت الجامعة تعمل على لقاح ضد الفيروسات التاجية المعروفة، مثل «سارس» و«ميرس»، ثم بعدما نشرت الصين التركيب الجيني لفيروس «كوفيد - 19»، حوّلت الجامعة العمل على الفيروسات التاجية الى عملها على كورونا المستجد، وهو ما أعطاها تفوقاً زمنياً على كل بقية المؤسسات المنخرطة في صناعة لقاح.
وتم تجريب لقاح جامعة أوكسفورد على قرود المكاك، حيث تم حقن 28 منها، ثم تعريضها الى فيروس كورونا المستجد بكثافة، وتعريض قرود لم يتم حقنها، فأصيب من لم يتم حقنه، وبقي المحقونون باللقاح معافين. هكذا، انتقلت الجامعة الى تجربة لقاحها الناجح بين القرود على البشر.
وفي هذا السياق، ذكرت جامعة أوكسفورد، في بيان، أن باحثيها باشروا اختبار لقاح ضد الفيروس المستجد «لدى متطوعين يبلغ عددهم نحو 1110 أشخاص، نصفهم سيتلقون اللقاح، والنصف الآخر (المجموعة الضابطة) سيتلقون لقاح التهاب السحايا المتوافر على نطاق واسع».
وأضاف البيان: «بدأ الباحثون بفحص المتطوعين الأصحاء ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و55 عاما في مارس الماضي، ويستند اللقاح إلى ناقل لقاح فيروسات غدية وبروتين ارتفاع السارس كوف 2، وقد تم إنتاجه في أكسفورد».
وأشارت الجامعة إلى المشاكل التي ستواجهها في حال انحسار انتشار الوباء، قائلة: «لتقييم ما إذا كان اللقاح يعمل على الحماية من كوفيد - 19، سيقوم الإحصائيون في فريقنا بمقارنة عدد الإصابات في المجموعة الضابطة بعدد الإصابات في المجموعة المُلقحة. لهذا الغرض، من الضروري لعدد صغير من المشاركين في الدراسة الاعتماد على سرعة وصولنا إلى الأرقام المطلوبة على مستويات انتقال الفيروس في المجتمع، فإذا ظل انتقال العدوى مرتفعاً، نحصل على بيانات كافية في غضون شهرين لنرى ما إذا كان اللقاح يعمل، أما إذا انخفضت مستويات الانتقال، فقد تستغرق التجارب فترة قد تصل إلى ستة أشهر».
ويرى الخبراء الأميركيون أنه إذا سار كل شيء في جامعة أوكسفورد على ما يرام، تنتهي الاختبارات مع نهاية مايو المقبل، ويمكن إنتاج مليون لقاح مع حلول سبتمبر، ويتم تلقيح العاملين في القطاع الصحي، وهم الأكثر عرضة لالتقاط الفيروس، يليهم العاملون في قطاعات أساسية، مثل الشرطة والجيش والعاملين في إنتاج الغذاء وتوزيعه.
لكن احتمال فشل لقاح أوكسفورد وارد كذلك، وهو ما يدفع العالم الى دفع اكبر عدد ممكن من العلماء والمختبرات للانخراط في عمليات منفصلة بحثاً عن لقاح.
وتشير صحيفة «وول ستريت جورنال» الى أن «عشرة من أهم علماء الولايات المتحدة، ومعهم عدد مماثل من المتمولين من أصحاب المليارات، عاكفون على تمويل اكثر الأبحاث التي يعتقدون أنها قد تفضي الى التوصل للقاح». ومن بين المتمولين عاملون في «وادي سيليكون» لقطاع التكنولوجيا، وأصحاب فرق رياضية أميركية عملاقة، وغيرهم.
ويقود طبيب انخرط في عالم الأعمال يدعى توم كاهيل، فريقاً من العلماء والأطباء ممن يعكفون يومياً على قراءة أكثر من 20 ورقة بحثية حول العلاجات واللقاحات الممكنة وكيفية عملها. الأوراق التي يرى فيها كاهيل وفريقه ابحاثاً واعدة ويمكن المراهنة عليها، يفتحون لها الباب لتغرف من مليارات الدولارات التي وضعها المتمولون في خدمة العاملين على استنباط علاج أو لقاح.
ومن خلال شبكة العلاقات التي تمتعت بها شبكة العلماء والمتمولين، قاموا بالاتصال بفريق نائب الرئيس مايك بنس، الذي يدير خلية مكافحة انتشار الوباء في الولايات المتحدة. وبالتعاون مع بنس، قامت الوكالات الحكومية التي تراقب عادة انتاج الأدوية والأغذية والتأكد من سلامتها في الاستخدام بتقصير الوقت المطلوب للموافقة على اي دواء جديد، من سنة الى أسبوع واحد فقط.
السباق للتوصل الى علاج أو لقاح، ذكّر عدد كبير من الأميركيين بالسباق إلى صناعة قنبلة ذرية يمكنها حسم الحرب العالمية الثانية لمصلحة الولايات المتحدة.
وأطلق على السباق حينها اسم «مشروع مانهاتن»، وهو اسم صار ينطبق في زمننا الحالي على السباق للتوصل إلى «لقاح كورونا».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق