واشنطن - من حسين عبدالحسين
بعد عقده مؤتمرات صحافية يومية على مدى الأيام الـ 50 الماضية، أبدى دونالد ترامب انزعاجه من الاعلام وطريقة التغطية التي نالها، وأعلن تعليقه اطلالاته الصحافية المخصصة للحديث حول شؤون وباء كورونا المستجد. على أن السبب الحقيقي يبدو هو أنه، ورغم محاولاته جاهداً تزيين أداء إدارته في مكافحة الوباء، أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية من الاميركيين من الحزبين، لا تصدق ما يقوله الرئيس عن مستجدات الأزمة.
وكان ترامب كلّل مؤتمراته بهفوة تحوّلت الى مصدر تندر. فأثناء مؤتمره الصحافي يوم الجمعة، قدم الرئيس احد الخبراء ممن تحدثوا عن كيفية مكافحة الفيروس على الأشياء، عن طريق استخدام معقمات كحولية او اشعاعات الشمس. ثم صعد الى المنبر وراح يرتجل آراء علمية، وقال ان فعالية المعقمات تدفعنا الى إجراء تجارب حول إمكانية حقن الناس بالمعقمات حتى تنظف الأجسام وتقضي على الفيروس.
وانتشر التعليق، خصوصا ردة فعل الدكتورة ديبرا بيركس، التي توجه اليها ترامب بالحديث فأشاحت وجهها عنه لتفادي الاحراج، كالنار في الهشيم. والسبت، حاول ترامب التملص من تصريحه، تارة بالقول إنه كان يمازح الأميركيين، وهو عذر أقبح من ذنب في مؤتمر صحافي مخصص لأزمة أدت الى وفاة أكثر من 55 ألف أميركي. ثم قال إن الاعلام يكذب وأنه لم يتوجه الى بيركس، ليظهر نص المؤتمر أنه ذكر اسمها أثناء توجهه بالحديث إليها.
على أن تعليق ترامب إطلالاته لا يعني نهاية الأزمة، في وقت قارب عدد الاصابات بالفيروس بين الأميركيين المليون، في وقت يستعد عدد من الولايات، خصوصاً التي يحكمها جمهوريون، لتخفيف قيود الحجر الصحي المفروض على السكان، رغم تحذيرات الخبراء من مغبة أن يؤدي التراخي السابق لأوانه الى إعادة انتشار الوباء وتفشيه في صفوف الأميركيين من دون رادع.
وفي وسط التراشق السياسي والاعلامي بين الحزبين، الديموقراطي المصر على مواصلة الحجر الى حين التوصل الى لقاح او علاج، والجمهوري الذي يرى أن لا بد من وقوع ضحايا لانقاذ الاقتصاد واعادة إطلاق عجلته، يندلع نقاش حامي الوطيس بين العلماء والاطباء والخبراء حول نجاعة الاجراءات المتخذة.
ويرى بعض العلماء أن الحجر الصحي الكامل قد يكون مبالغة، وأنه مع ارتفاع عدد الفحوصات، يبدو أن الفيروس أقل خطراً. ويشير هؤلاء الى عدد من الأرقام، أولها فحوصات بالمضادات الحيوية تظهر أن عدد المصابين في ولاية نيويورك قد يكون مليونين ونصف المليون، أي أعلى بكثير من رقم الربع مليون المسجّل رسمياً.
ويقول الخبراء إن إصابة مليوني نيويوركي لم تظهر عليهم اي اصابات يشي بأن الفيروس ليس مميتاً الى الحد الذي تصوره بعض العلماء في أول أيام تفشي الوباء.
ويقدم معارضو الحجر الصحي أرقاما أخرى، منها أن نسبة الوفيات الناجمة عن الفيروس هي 0.2 في المئة، مقارنة بـ 0.1 لفيروس انفلونزا العادي، وأن نسبة 99.2 في المئة من الوفيات كانت لدى مصابين كانوا يعانون من أمراض سابقة أو مزمنة، مثل القلب والضغط والسكري والسرطان، وأن نسبة الذهاب الى المستشفى بلغ 0.1 واحد ممن هم تحت عمر 44، وأنه حتى في الفئة العمرية 65 الى 74، كانت نسبة الاستشفاء 1.7 في المئة فقط.
ويقول معارضو الحجر ان منع الاختلاط بين الناس أدى الى تأخير تطور «المناعة الجماعية» بينهم، ويعتقدون أن نسب الاصابات والوفيات في الدول التي فرضت حجرا صحيا قاسيا جاءت مشابهة مع أرقام الدول التي لم تفرض حجراً مشدداً.
ويضرب الخبراء المثال بالسويد، ويشيرون الى أن هذه لم تفرض حجرا، بل طلبت الوقاية الشديدة للسكان المعرضين أكثر من غيرهم، أصحاب الأمراض المزمنة ومن الفئة العمرية 65 وما فوق، وأنه رغم سرعة تفشي الوباء في السويد، الا ان التراجع في الاصابات الجديدة كأن أسرع من الدول التي فرضت حجرا مشدداً.
بكلام آخر، يعتقد معارضو الحجر الكامل أن النتيجة في الاصابات والوفيات ستكون نفسها، الى حين التوصل الى لقاح، فيما الفارق الوحيد بين الحجر المشدد والتراخي في الحجر يكمن في الفترة الزمنية التي سيتطلبها بلوغ الوباء ذروته في الإصابات والوفيات، ومن ثم انحساره.
لهذا السبب، يعتقد هؤلاء الخبراء، وهم من الجمهوريين والديموقراطيين، أن انحسار انتشار الفيروس أمر حتمي، مع أو من دون حجر، وأن الانحسار تم رصده في الفيروسات التاجية الشقيقة لـ «كورونا المستجد»، وان كان هذا الفيروس أكثر عدوى مما سبقه بنسبة أعلى بكثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق