واشنطن - من حسين عبد الحسين
سياسة باراك اوباما الخارجية، لا تتمحور حول الملف النووي الايراني، ولا حول مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية، ولا حتى الافادة من العراق كحليف استراتيجي في المنطقة، ولا الاستمرار في دعم سيادة لبنان، مثلا، او الضغط من اجل تغيير تصرفات النظام في سورية.
ان سياسة الرئيس الاميركي الخارجية، مبنية على فكرة اساسية، تعكس تفكير الرجل منذ ما قبل انتخابه رئيسا للولايات المتحدة قبل نحو 15 شهرا، فاوباما، كبرلماني، صوت ضد الحرب في العراق، لكنه كرر اثناء حملته الانتخابية ضرورة الاستمرار في ما اسماه الحرب الفعلية على الارهاب.
هذه «الحرب الفعلية على الارهاب»، هي حجر الزاوية في السياسة الخارجية الحالية، وهي تختلف تماما عن «الحرب على الارهاب» كما مارسها سلف اوباما، الرئيس السابق جورج بوش.
مع بوش، اخذت «الحرب على الارهاب» طابع الصراع الحضاري والثقافي والديني، وانحصر تعريف الارهاب - في معظم الاحيان - بمجموعات اسلامية متطرفة، وحتى غير متطرفة. واستفاد بوش من غضب شعبي عارم ضد اعتداءات 11 سبتمبر 2001، فعملت ادارته على محاولة اخفاء معظم سياستها الخارجية خلف الحرب المزعومة، فكانت الحرب في العراق، ومشاريع نشر الديموقراطية التي رافقتها.
لم يوافق اوباما ولا لحظة على حرب بوش، وكرر اثناء حملته الانتخابية مقولة ان الولايات المتحدة «اشاحت بنظرها عن الكرة» في افغانستان وباكستان، وبددت موارد في حربها غير الضرورية في العراق وفي مشاريع اخرى. لذا، اصبحت فكرة «اعادة تركيز النظر على مواجهة الارهاب»، الركن الاساسي في حرب اوباما، وهذه بدورها تتصدر بقية اولويات السياسة الخارجية الاميركية مجتمعة.
وعندما تنحصر السياسة الخارجية بمواجهة الارهاب، ينحصر اعداء الولايات المتحدة بالمجموعات التي تمارس العنف ضد اميركا، ومواطنيها، ومصالحها فقط، ولا يثير ملفا، مثل تخصيب ايران لليورانيوم وتطويرها للصواريخ الباليستية، الكثير من القلق في دوائر صنع السياسة الخارجية في واشنطن، الى درجة ان صانعي هذه السياسة قد يقللون من خطورة تمدد نفوذ ايران في المنطقة، وقد يبررون له كذلك.
دانيال بنجامين، وهو منسق مكافحة الارهاب في وزارة الخارجية، تحدث امام معهد وودرو ويلسن، نهاية الاسبوع الماضي، وقد يكون كلامه الدليل الابرز على وجود رؤية اميركية نحو ايران مختلفة عن نظرة معظم حلفائها في الشرق الاوسط والعالم، وهو ما يفسر تقاعس واشنطن في مواجهة طهران.
ومع ان عضو مجلس الامن القومي دانيال شابيرو، عقد حوارا هاتفيا مغلقا مع قيادات المنظمات اليهودية الاميركية، تسرب منه الشيء اليسير الى الاعلام الاميركي والاسرائيلي، وقال فيه ما مفاده بان الخطر الايراني يتصدر اولويات السياسة الاميركية، الا ان بنجامين كان يقارب موضوع ايران من زاوية مختلفة، يبدو انها الادق من وجهة النظر الاميركية.
«ايران تبقى الاول بين الدول الراعية للارهاب في العالم اليوم، وهي مصدر قلق كبير للولايات المتحدة»، حسب بنجامين، الذي تابع: «اعتقدت انكم رأيتم تقارير صحافية تتحدث عن دعم ايران للمتمردين في العراق وافغانستان، ولقد رأينا ذلك على المستوى التكتيكي».
وبلهجة تبريرية لدعم ايران لمجموعات تمارس العنف في كل من البلدين، اضاف بنجامين: «من الواضح ان لدى ايران قلقاً كبيراً من وجودنا على طرفي حدودها... الرئيس يوظف جهودا لفتح حوار جديد مع ايران، (ولكن) الايرانيين لم يجيبوا حتى الان».
قد لا يسرق السفير بنجامين الاضواء والنجومية من ديبلوماسيين من وزن مبعوث السلام الى الشرق الاوسط جورج ميتشيل، الا ان الواقع عكس ذلك، ففي وقت يكافح ميتشيل من اجل الابقاء على نفوذه السياسي داخل العاصمة الاميركية، يجوب بنجامين العالم متحدثا الى حكومات بهدف «التنسيق» في «مكافحة العنف المتطرف»، وهي التسمية الجديدة للحرب على الارهاب.
والعالم بخبايا السياسة في واشنطن يعلم انه تم تخفيض وزن ميتشيل السياسي، فتم ربطه بالخارجية بعد ان كان مبعوثا رئاسيا، فيما يتحدث العاملون في مكتب ميتشيل عن ان تعييناتهم لم تجر، حسب ما تم الاتفاق عليه في السابق، بل تم تعيينهم في مراكز متواضعة اكثر من التي تم وعدهم بها.
هذه الصورة تنقلب في جناح الخارجية، حيث مكاتب مكافحة الارهاب، فبنجامين تم تكليفه انشاء وحدة جديدة، اطلق عليها اسم «مكافحة العنف المتطرف»، او اختصارا «سي في اي»، فيما يجوب الاخير عواصم العالم، ويتحدث عن انجازات حققتها الادارة الحالية بالتعاون مع باكستان ودول اخرى.
وفي وقت تتعثر زيارات ميتشيل من اجل السلام الى عواصم، مثل دمشق، زار بنجامين سورية بعيدا عن الاضواء، واجتمع مع قيادييها للتنسيق في مكافحة الارهاب. وقالت مصادر مطلعة على اجواء اجتماعات بنجامين السورية، انها «لم تتطرق كثيرا الى دعم سورية لحزب الله او «حماس»، بل انصبت على وقف الدعم السوري لعراقيين يقيمون في دمشق، ويعملون على دعم العنف في العراق».
العراق بدوره، لم يعد يتصدر الاولوية الاميركية، وكان ذلك جليا في خطاب بنجامين، الاسبوع الماضي، الذي تركز على باكستان وافغانستان، وحتى على التطرف داخل اميركا نفسها، ولم يأت على ذكر الشرق الاوسط الا لماما او في اجابات مختصرة عن بعض الاسئلة.
وقال: «نحن نعرف ان الاستراتيجية الفعالة لمكافحة الارهاب عليها ان تذهب الى ابعد من ايقاف من ينوون الحاق الاذى بالولايات المتحدة، ومواطنيها، وحلفائها، ومصالحها... وكما قال الرئيس اوباما، ان اي حملة ضد التطرف لن تنجح بالطلقات والقنابل وحدها».
واضاف: «نحن واقعيون فيما يمكن للولايات المتحدة انجازه بمفردها في هذا المجال، وان حجم التطرف يؤكد انه لا يمكن لاي دولة محاربة الارهاب منفردة».
لذا، حسب المسؤول الاميركي، على اميركا التنسيق مع حكومات العالم من اجل الدفاع عن نفسها في وجه العنف الذي تتعرض له مثلما حصل في 11 سبتمبر 2001.
وامام تسخير سياستها الخارجية في الدفاع عن نفسها، وما يتطلبه ذلك من مد اليد الاميركية الى حكومات الدول الصديقة والعدوة، تأتي شؤون «حلفاء اميركا» ومخاوفهم في الدرجة الثانية، بما فيها عملية السلام والملف النووي الايراني وشؤون شرق اوسطية وعالمية اخرى، ما يشكل افتراقا جذريا، لا عن سياسة بوش الخارجية فحسب، بل عن السياسات الخارجية لمعظم الرؤساء ممن تعاقبوا على حكم اميركا منذ عودتها الى المسرح الدولي ابان الحرب العالمية الثانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق