حسين عبدالحسين
تسرق المواقف الجديدة لرجل الدين والسياسة مقتدى الصدر الأضواء العراقية، وتثير حفيظة خصومه من أمثال رئيس الحكومة نوري المالكي، وتستحوذ على إعجاب من كانوا من أشد نقاده، خصوصا من بين العلمانيين العراقيين. أما السؤال الذي يتردد في بغداد، كما في واشنطن، فهو التالي: هل هي مناورة صدرية، أم نضوج في الرأي وتغيير في الموقف؟
يتصدر المعجبين بالصدر، الكاتبان رشيد الخيون وسرمد الطائي. الأول كتب في “المجلة” ان “المشتركات مع تيار الصدر، أكثر من المختلفات معه”. أما الثاني، فيبدو أنه صار يعول على ما يسميه “تحالف النجف اربيل” لإخراج العراق من الورطة التي أدخله فيها المالكي، والذي يطلق عليه الطائي تهكما اسم “السلطان”.
الخيون والطائي صديقان عزيزان، ومعرفتهما بحيثيات الشأن العراقي، تتفوق بكثير على معرفتي أنا العراقي النسب واللبناني النشأة. لكن ما لفتني في موقف المثقفين الكبيرين اندفاعتهما نحو الصدر، بشكل يبدو أنه خالٍ من الحذر.
ربما لأن السياسة في العراق مازالت حديثة العهد، ولم يتجاوز عمرها العقد، ما يجعلني، على الرغم من إعجابي الأولي بمواقف الصدر المستجدة وبموقف الصديقين في دعمه وتياره، مترددا. ربما لأني نشأت في بيروت، حيث السياسة منذ عقود طويلة في المدارس والجامعات والمقاهي والشوارع، أتردد.
في بيروت، يروي العزيز حازم صاغية غالبا كيف كان من مؤيدي الثورة الايرانية يوما، على الرغم من الدور الأساسي لرجل الدين آية الله الخميني فيها. صاغية اليوم من أبرز المنتقدين لنظام ولاية الفقيه، وهو يعتقد أننا لو كنا نعرف وقتذاك ما نعرفه اليوم، لربما كنا ترددنا في دعم الثورة الإيرانية.
وهكذا في بيروت غالبا ما نجد أنفسنا ننساق خلف هذا السياسي أو ذاك، لمواقفه التي نعتبرها متطورة وايجابية وتناسب تطلعاتنا، ونكتب في تأييده وفي مسامحة تاريخه الذي غالبا ما يكون ملتويا. لكن ما أن تنقلب الصورة السياسية، ويصبح صاحبنا السياسي في السلطة، حتى تنقلب مواقفه، ويعلل انقلابه بالضرورات التي تبيح المحظورات، ويحاول تصوير مواقفه المستجدة على أنها أهون الشرين، والوحيدة المتاحة.
بيروت علمتنا انه لا يمكن أن يقود الحركة نحو الديمقراطية زعماء أحزاب غير ديمقراطية.
في العراق، يقود تحالف “النجف اربيل”، مثلا، رئيس إقليم كردستان و”الحزب الديمقراطي الكردستاني”، البارتي، مسعود البارازاني، الذي يرأس حزبه منذ عقود، وإقليمه منذ سنوات، ومن غير المتوقع ان يلتزم يوما بمبدأ تداول السلطة أو الخروج منها. كذلك القيادي الآخر في هذا التحالف مقتدى الصدر، لا نعرف على اي أساس يتزعم حزبه وكتلته البرلمانية غير الاساس العشائري والعائلي والديني اللاديمقراطي.
هذا ما يدفعني إلى الاعتقاد ان الصديقين الطائي، والى درجة أقل الخيون، ينظران الى موقف الصدر السياسي الإيجابي من زاوية ما قد يحدث في المدى القريب، وخصوصا على صعيد الاطاحة بالمالكي، ويتجاهلان في الوقت نفسه شؤونا أعمق تتعلق بوضع الكيان والدولة العراقية على المدى الطويل.
ربما من الأفضل لمثقفي العراق من أصحاب المواقف الحرة، من أمثال الخيون والطائي، تأييد مواقف محددة لمقتدى الصدر، وفي نفس الوقت الإضاءة على التباين معه، وطلب المزيد منه لمنحه المزيد من التأييد فيما بعد.
صحيح أن المالكي صار يبعث اليأس في نفوس العراقيين، وصحيح انه صار منعزلا عن الواقع، ويعتقد انه “هو العراق”، وانه لولاه ولولا حزبه وائتلافه الحاكم، لكانت البلاد والعباد وقعت في التهلكة، التي لم تخرج منها أصلا، لكن كثرة الاحباط من المالكي يجب ان لا تدفع المثقفين الى الإلقاء بثقلهم خلف سياسيين عراقيين لمجرد أنهم مناهضون لرئيس الحكومة، ففي مواقف هؤلاء المعارضين سياسة، والسياسة بطبيعتها ملتوية وذات مناورات، والمعارضة دائما اكثر جاذبية من الحكم، على الرغم من اننا في حالة الصدر، الذي يعلق مشاركة وزرائه من دون ان يستقيلوا ويقيلوا بذلك المالكي، لا نعرف تماما ان كان خارج الحكم أم داخله.
وحتى ينجلي الخيط الأبيض من الخيط الأسود، يبدو أن أضعف الإيمان هو تأييد مواقف الصدر مع ربطها بالتشكيك والتحفظ، فالسياسة تحتاج الى سياسيين، فيما المثقفون في الغالب مبدئيون، وهنا يبدو مكمن الخلل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق