| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
انقلب «الخط الاحمر» الذي حدده الرئيس الاميركي باراك اوباما، حول استخدام الرئيس السوري بشار الاسد الاسلحة الكيماوية في سورية، على صاحبه، فوجد كبار مسؤولي البيت الابيض انفسهم في مأزق اجبرهم، على عجل، على شرح وجهة نظر الادارة في هذا الخصوص.
ويبدو ان الهدف الرئيسي من خروج الحكومة الاميركية الى العلن كان توجيه انذار الى الاسد بأن اميركا تراقب افعاله الكيماوية، وان عليه ان يتوقف عنها. لكن النتيجة جاءت على عكس ما كان مرجوا، اذ اتجهت الانظار الاميركية والعالمية الى خطوة اوباما العقابية للأسد، وخصوصا على الصعيد العسكري، بما ان اوباما نفسه هو الذي حدد «الخط الاحمر» وحذر الاسد من عواقب وخيمة في حال تخطيه.
ويبدو ان ما قصدته ادارة اوباما في اعلانها هو ان التحليلات المخبرية اثبتت استخدام الكيماوي في سورية، وبما ان اجهزة الاستخبارات الاميركية تعتقد ان نظام الاسد هو الجهة التي تمتلك هذه الاسلحة، فلا بد من ان يكون هو الذي استخدمها.
في هذه الاثناء، تصر واشنطن على انتظار المزيد من الدلائل التي من شأنها ان تثبت ان النظام نفسه هو الذي «ضغط على الزناد» الكيماوي، وهو انتظار صار يبدو، بالنسبة لكثيرين وخصوصا من اعضاء الكونغرس من امثال السناتور الجمهوري جون ماكين وزميله الديموقراطي كارل ليفين، غير مبرر.
ويبدو ان ادارة اوباما سعت، بحديثها علانية عن استخدام الاسد الكيماوي، الى «التلويح بالعصا» للنظام السوري ومحاولة ثنيه عن الذهاب ابعد من ذلك، وهو ما عبر عنه مسؤول كبير في «مجلس الامن القومي» في لقاء عقده مع الصحافيين قال فيه: «اعتقد ان على نظام الاسد ان يدرك اننا نراقب هذا الامر عن كثب جدا، وانه بمجرد اننا قمنا بهذا التقييم على الارض يعني اننا نراقب الاسلحة الكيماوية في سورية».
واضاف المسؤول: «اذا ما قام (الاسد) بالمزيد من استخدام هذه الاسلحة، سيفعل ذلك تحت مراقبة شديدة من قبلنا ومن قبل المجتمع الدولي».
ورغم ان رسالة اوباما الى الكونغرس، والتي جاء فيها ان وكالات الاستخبارات الاميركية تعتقد «بدرجات ثقة متفاوتة ان النظام السوري استخدم اسلحة كيماوية على نطاق ضيق في سورية، الارجح انه غاز السارين»، ورد فيها ايضا ان «جميع الخيارات» في سورية هي على الطاولة، لا يبدو ان في نية اوباما التدخل عسكريا، وخصوصا في حال توقف نظام الاسد عن استخدام الكيماوي.
الصحافيون في لقاء مسؤول «مجلس الامن القومي» اصروا على معرفة عواقب الاعلان الاميركي، خصوصا بعدما كرس اوباما مرارا تحريم استخدام الكيماوي في سورية، فقال المسؤول: «لا يجب ان يخطئ احد حول الخط الاحمر الذي رسمناه، وهو اننا عندما نتأكد من استخدام الاسلحة الكيماوية داخل سورية، هذا امر غير مقبول للولايات المتحدة، ومن غير المقبول ايضا نقل اسلحة كيماوية الى ايدي تنظيمات ارهابية».
لكن خط اوباما الاحمر هذا بدا فاقدا للمصداقية، خصوصا للصحافيين الذين اصروا على معرفة هدف الاعلان ان لم يقترن بعمل عسكري، ما اضطر المسؤول الى الدفاع عن الخط المزعوم وعن مصداقية صاحبه بالقول انه «على الشعب في سورية وعلى نظام الاسد ان يعرفوا ان الرئيس (اوباما) يعني ما يقوله عندما حدد الخط الاحمر».
واضاف: «تذكروا انه هو (اوباما) من وضع هذا الخط، وهو من وجهنا لاعطاء هذه المعلومات الى الجمهور، وهو من وجهنا للقيام ما بوسعنا من اجل توسيع التحقيق حتى نتأكد بمصداقية مبنية على الوقائع مما حدث فعلا».
الا ان مصادر اميركية مطلعة اعتبرت ان احد ابرز الاسباب خلف الاعلان الاميركي هو توصل ادارة اوباما الى اقتناع مفاده ان نظام الاسد «يحاول ان يمتحن الصبر الاميركي والدولي».
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» رصدت في افتتاحيتها، الاربعاء، قول الاسد امام وفد لبناني زاره أخيراً ان «الاميركيين براغماتيون منذ البداية، ولا يتابعون اي شيء حتى الآخر، وانهم سيأخذون جانب المنتصر في النهاية».
تصريح الاسد هذا، مقرونا بخروج اقرب حلفاء اميركا، اي بريطانيا وفرنسا واسرائيل، الى اتهام الاسد علنا باستخدام الاسلحة الكيماوية ضد السوريين، اجبر ادارة اوباما على اصدار اعلانها املا منها بأن الاعلان وحده سيشكل رادعا للاسد ونظامه.
حديث الادارة المفاجئ حول استخدام الاسد للاسلحة الكيماوية اعاد الازمة السورية الى صدارة اهتمامات الاميركيين ووسائل اعلامهم، فتصدرت سورية النشرات المسائية والصفحات الاولى للصحف الصباحية.
كذلك ادى الاعلان الى ارتفاع في التوقعات بين المؤيدين لعمل عسكري في سورية، الذين يبدوا انهم اصيبوا بخيبة امل على اثر التفسيرات التي قدمها مسؤولو الحكومة الاميركية لاعلانهم، ولقولهم انهم في انتظار المزيد من التحقيقات.
«من يصدقنا الآن»، قال احد الخبراء الاميركيين في البرامج المسائية» مضيفا: «نقول لايران ان كل الخيارات على الطاولة، ونقول للأسد هذا الخط الاحمر، وعندما يتجاوزه لا يحصل شيء» ويضيف: «يبدو ان ايران وسورية صارتا تعرفان ان سياستنا الخارجية لا تعدو اكثر من كونها ثرثرة».
في هذه الاثناء، قد تكون مفارقة ان اعلان الادارة حول استخدام الاسد لاسلحة كيماوية جاء في الوقت الذي كان يشارك فيه الرئيس الاميركي في حفل افتتاح مكتبة الرئيس السابق جورج بوش الابن في ولاية تكساس.
وعشية الافتتاح، ادلى بوش، الذي يندر ان يطل اعلاميا منذ خروجه من الحكم في العام 2008، بمقابلة قال فيها انه غير نادم عما قام به اثناء رئاسته، بما في ذلك حرب العراق التي بنيت على امتلاك صدام حسين لاسلحة الدمار الشامل.
كما اظهرت استطلاعات الرأي الاميركية ان شعبية بوش عادت الى الارتفاع. «ربما هو عامل الوقت»، يقول المعلق بيت دومينيك، الذي انضم الى عدد من الديموقراطيين الذين اعتبروا ان بوش كان رئيسا صادقا، وان حربه في العراق كانت من باب «الخطأ» لا «الكذب».
ومع انقلاب المزاج الاميركي العام في مصلحة التدخل العسكري في سورية، يبدو ان العنصر المفقود الوحيد لهذا التدخل هو نية اوباما، ومن غير المؤكد ان هذه ستتوافر حتى في حال ورود المزيد من الدلائل التي قد تؤكد تورط الاسد في استخدام اسلحة كيماوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق