حسين عبدالحسين
ترجح الأوساط الأمنية الأميركية ما تسميه “فرضية الذئب الوحيد” لوصف أحداث بوسطن، أي أن الأخوين تيمورلنك وجوهر تسارناييف تصرفا من تلقاء نفسيهما، ومن دون مساعدة أو اتصال فعلي مع شبكة إرهابية أوسع، في تفجير سباق الماراثون وفي المواجهة المسلحة مع الشرطة التي تلته بعد ذلك بأيام.
وتعزز هذه الفرضية قيام تيمورلنك، اثناء قيادته سيارة المرسيدس المسروقة هربا من الشرطة، باتصاله بوالدته زبيدة، المقيمة في داغستان، لإعلامها أنه في اشتباك مسلح مع الشرطة، وأن أخاه إلى جانبه، وأنه يحبها، وهذا تصرف لا يشي بأن الشاب كان ينسق اعماله مع شبكة أكبر ذات قيادات يسعى الى نيل رضاها في لحظاته الأخيرة.
لكن فردية تصرف تيمورلنك المرجحة لم تمنع بعض الاميركيين من القفز الى استنتاجات مبكرة، ومحاولة تعميم طيشه وتهوره وعنفه على “المسلمين” أجمعهم.
وما ساعد افتراءات واستنتاجات بعض الاميركيين، هو “الفخ” الذي غالبا ما يقع فيه مسلمو الولايات المتحدة من المواطنين والمقيمين، فالجمعيات التي تمثل هؤلاء اسرعت، في محاولة لاستباق اي هجوم اميركي، بالمطالبة باثباتات حول هوية المنفذين قبل اطلاق الاحكام، وباتهام كل من يحاول التلميح الى أن من قام بالتفجيرين هو من المسلمين بأنه من “المتحيزين” أو “المتعصبين” أو “الكارهين” للاسلام والمسلمين.
وكانت أول الضحايا شبكة “سي ان ان”، التي كان مراسلها المعروف جون كينغ افاد عن طريق الخطأ بأن السلطات قبضت على المشتبه به في التفجير، وانه “ذكر صاحب بشرة داكنة”.
وفي وقت لاحق، تبين ان السلطات لم تكن اعتقلت أحدا، فسارعت منظمات العرب والمسلمين الأميركيين الى اتهام كينغ بالانحياز، وبمحاولة التحريض ضد المسلمين بالتلميح الى أن المشتبه به بالتفجير عربي أو مسلم.
فيما بعد، اتضحت الصورة، وتبين ان المفجرين هما مسلمان من الشيشان، فانقلبت المواقف، وسارعت المنظمات الاسلامية الاميركية الى ادانتهما، واصدرت “الجمعية الاسلامية في بوسطن” بيانا ضد التفجير، واعتبرت انه على الرغم من حضوره الى الجامع مرة أو اكثر، فإن تيمورلنك كان على خلاف مع الجمعية ورواد الجامع.
وفي وقت لاحق، نشرت صحيفة “بوسطن غلوب” تحقيقا ورد فيه، انه اثناء حضوره احدى الحلقات في جامع بوسطن، انتفض تيمورلنك في وجه أقوال الإمام و”اتهمه بأنه كافر”، فتعالت صيحات الحاضرين في وجه تيمورلنك، واجبرته على الخروج من الجامع.
حتى الآن، تشير الدلائل الى أن المجموعات الاسلامية الاميركية لم تقبل تسارناييف في صفوفها، بل اخرجته ورفضت تطرفه.
أما الخطأ الأكبر الذي ارتكبته هذه المجموعات، فكان محاولتها انتظار جلاء ملابسات التحقيق، بدلا من مبادرتها الى ادانة الفاعل وعدم الدفاع عنه، داكنة كانت بشرته ام لا، مسلما كان أم لا، فمشكلة تفجير بوسطن تكمن في الفعل وليس في الفاعل، اما الفاعل، فهو لا يمثل الا نفسه، حتى لو كان مسلما. والمسلمون ليسوا أمة من الملائكة، ومن الطبيعي أن يخرج من بينهم الصالح والطالح، ولا حاجة الى ان تتحمل مجموعة بأكملها افعال فرد او قلة قليلة من بينها، او تنبري للدفاع عنهم من باب مكافحة التمييز او العنصرية او التحيز.
ومن يعرف القليل عن الدين الاسلامي، يعرف ان مبدأ الثواب والعقاب لم يكن يوما جماعيا، بل لطالما كان فرديا، وهو ما يعني ان افعال الاخوين تسارناييف تمثلهما ولا تمثل المسلمين الاميركيين، ولا مسلمي العالم.
حتى ان الرئيس باراك اوباما نفسه ختم مؤتمره الصحافي، الذي خصصه للاعلان عن مقتل تيمورلنك والقاء القبض على أخيه جوهر بالتساؤل: “لماذا قام شابان نشآ هنا ودرسا كجزء من مجتمعنا وبلدنا باللجوء الى العنف؟” بكلام آخر، حاول الرئيس الاميركي فهم الدوافع الشخصية لرجلين كانا فعليا جزء من النسيج المجتمعي الاميركي، من دون اعتقاده أن افعالهما تشكل ادانة للمجتمع الاميركي نفسه.
لقد كان الاخوان تسارناييف مزيجا من حضارات وتجارب عاشاها وافضت الى تشكيل شخصيتيهما، والى قيامهما بالأفعال العنفية التي قاما به، ما يعني ان تعميم تجاربهما على عالمها الاسلامي بأكمله، او على العالم الذي نشآ فيه، اي الولايات المتحدة، هو امر خارج المنطق.
ولقد عاش تيمورلنك مزيجا من الفشل والوحدة في حياته: فشل في دراسته الجامعية، حاول ادخال تطرفه الى الجامع فتم طرده، وقال في تصريح له قبل التفجير ان “لا اصدقاء اميركيين لديه، وانه لا يعرف كيف يصادقهم”، على الرغم من انه نشأ بينهم و امضى عقد من عمره معهم.
هكذا، لم يكن غريبا انه في لحظات حياته الأخيرة، لم يجد تيمورلنك تسارناييف إلا والدته يحادثها. لقد كان “ذئب بوسطن” ذئبا وحيدا، ورحل وحيدا، حتى ان مسلمي بوسطن رفضوا أن يقيموا صلاة الميت عليه.
ان مأساة حياة وموت الشاب الشيشاني أعمق بكثير من مواضيع الإرهاب أو التطرف. هي قصة شاب امتحنته ظروف الحياة، فلم يصبر، بل اطلق العنان لغضبه وثأره، فابتلى نفسه وغيره. أما محاولة اقحام الدين والسياسة في افعال الاخوين تسارناييف، فلا تبدو أكثر من بلادة فكرية وثرثرة اعلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق