| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
مازال الرئيس باراك اوباما وكبار المسؤولين في ادارته يبدون معارضتهم لتدخل عسكري اميركي في سورية، في وقت تتصاعد الاصوات المطالبة بفرض حظر جوي، او على الاقل تدمير قدرات بشار الاسد الجوية بضربات موضعية.
لكن اصرار ادارة اوباما على البقاء خارج الصراع السوري لا يعني غيابها تماما، اذ اعلن وزير الدفاع تشاك هيغيل ان وزارته ارسلت 200 جندي الى الاردن للانضمام الى «القوة الضاربة المشتركة» مع الاردنيين، والموجودة هناك للتدخل في حال وقوع هجوم بالاسلحة الكيماوية، او تحريكها من مخازنها.
وتأتي هذه الانباء في وقت شارك اوباما، من خارج جدول اعماله، في لقاء مستشاره لشؤون الامن القومي توم دونيلون مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، الذي يزور واشنطن. ومع ان لا تفاصيل رشحت عما دار في اللقاء حتى الآن، الا ان البيان الرسمي اشار الى ان الثلاثة «ناقشوا التطورات في المنطقة، بما فيها الصراع في سورية».
كذلك افادت تقارير من داخل وزارة الدفاع ان العاملين فيها قاموا «بنفض الغبار» عن خطط التدخل في سورية، وعن الخيارات الممكنة عسكريا.
كلام هيغل عن ارسال جنود الى الاردن جاء في جلسة استماع عقدتها «لجنة القوات المسلحة» في مجلس الشيوخ، اول من امس، وقال فيها: «علينا واجب، ولدينا مسؤولية، في التفكير مليا بعواقب اي عمل عسكري اميركي مباشر في سورية». واضاف ان «التدخل العسكري قد ينجم عنه عواقب غير مقصودة مثل اقحام الولايات المتحدة في صراع اقليمي اوسع او حرب بالوكالة».
ومع ان الجلسة كانت مخصصة لمناقشة الموازنة السنوية لوزارة الدفاع، الا ان السناتور الجمهوري جون ماكين اثار موضوع سورية قائلا: «لست متأكدا ان هناك موضوعا آخر حيث يتدفق الاف البشر نحو مخيمات اللاجئين ويتم ذبحهم في الوقت الذي نتحدث فيه». واضاف: «هذه قضية انسانية، ومن غير المقبول ان تبقى على المسار التي هي عليه الآن».
وفي رده على ماكين، وصف هيغل الوضع السوري بـ «المأساوي»، ولم يستبعد امكانية التدخل العسكري الاميركي، ولكنه وصفه بـ «خيار الملاذ الاخير».
وراح الوزير يعدد مساوئ اي تدخل محتمل بالقول انه قد «يعرقل عمليات المساعدات الانسانية»، ويؤدي الى «توتر في شراكات دولية اساسية» للولايات المتحدة. واضاف ان المعارضة السورية مفككة ولايمكن الاعتماد عليها، متوجها الى اعضاء اللجنة بالقول ان الدخول في حرب في سورية اسهل من الخروج مما قد يتحول الى «التزام عسكري اساسي، طويل، وملتبس».
في هذه الاثناء، يستمر اعضاء في الكونغرس، من امثال ماكين، في السعي لحشد التأييد المطلوب لاقناع الادارة بضرورة القضاء على قوة الاسد الجوية.
ويستند ماكين الى تصريح قائد «تحالف الاطلسي» السابق الجنرال جايمس ماتيس، الذي قال انه يمكن للولايات المتحدة وحلفائها «تحديد وتدمير عدد لا بأس به من مقاتلات الاسد، وهي جاثمة على الارض، باستخدام ضربات دقيقة واسلحة مواجهة».
امكانية ضربة اميركية من هذا النوع اشعلت نقاشا حاميا، فكتب في صحيفة «واشنطن بوست» سكوت كوبر، وهو عمل طيارا في المارينز لمدة 20 عاما وشارك في حروب كوسوفو والعراق وافغانستان، ان اقامة «منطقة حظر جوي فوق سورية هو خيار اخلاقي واستراتيجي».
ورد على كوبر زميله الكولونيل الطيار ستيورات آرشر، الذي اعتبر ان «منطقة حظر جوي تتطلب مجهودا هائلا لناحية التخطيط، والتعاون الاستراتيجي، وحقوق استخدام قواعد الحلفاء ومجالهم الجوي».
واضاف آرشر الذي يعمل طيارا للنقل العسكري، ان الحظر «يحتاج الى استعداد استخباراتي، وتوجيه ضربات، وتزويد وقود في الجو، واقامة وحدة قيادة وسيطرة جوا، وتحضير مجموعات للبحث والانقاذ (في حال سقوط مقاتلة خلف خطوط العدو)، وطلعات دورية للمراقبة والاستطلاع».
«الراي» سألت كوبر حول رده على تشكيك آرشر في جدوى الحظر، فقال: «انا لم اقل ان الحظر عملية سهلة او ممكنة من دون دماء، ولكن كذلك من غير السهل الوقوف على الحياد ومشاهدة اكثر من 80 الف سوري يقتلون و5 ملايين يتحولون الى لاجئين».
واضاف كوبر، الذي كان مسؤولا عن الضربات الاولى التي دمرت دفاعات صدام حسين الجوية ليل 19 مارس 2003، انه يتفق مع تصريحات ماتيس التي يرددها ماكين. وقال كوبر: «نحن بالتأكيد لدينا المقدرة لاخراج قوة الاسد الجوية من الصراع».
كما اثنى كوبر على فكرة الجنرال فيليب بريدلوف، الذي خلف ماتيس قائدا للاطلسي والذي اقترح ارسال عدد من بطاريات صواريخ باتريوت الستة، المنصوبة حاليا على الحدود التركية-السورية، الى داخل العمق السوري. ووصف كوبر الفكرة بأنها «حملة على نطاق اصغر، ومخاطرها اقل، ويمكن ان تثبت انها حاسمة، اذ يمكنها اقامة منطقة آمنة في الشمال تمنع الاسد من استخدام قوته الجوية».
ومع ان الشعور الاميركي العام بدأ يميل تجاه تأييد ضربة جوية محدودة، الا ان التكلفة المتوقعة مازالت تدفع الاميركيين الى التردد، وسط حملة تقشف في الميزانية العامة طالت كل الوزارات، بما فيها الدفاع، التي تبلغ موازنتها للعام 2013 قرابة 530 مليار دولار، منها 88 مليارا تقع تحت بند «عمليات طارئة ما وراء البحار»، حسب ونسلو ويلر، مدير «مركز المعلومات الدفاعية». ويتضمن هذا البند تكاليف الحرب في افغانستان، والمقدرة بنحو 85 مليارا للعام الحالي، ما يعني ان لدى الوزارة ما يقارب 3 مليارات دولار لاي «طارئ» عسكري آخر، مثل عملية في سورية.
يقول ويلر ان تكلفة اي عملية تعتمد على مدتها الزمنية وعلى نوع الاسلحة المطلوبة. في العراق مثلا، استغرقت الحرب 3196 يوما بتكلفة 806 مليارات دولار، وفي ليبيا 227 يوما بتكلفة مليار ومئة مليون. وللمقارنة، اطلق الاسطول السادس المتمركز في المتوسط من سفنه وغواصاته 191 صاروخ «توماهوك» في الساعات الاولى للحرب في ليبيا بتكلفة 268 مليون دولار، وكلف سقوط مقاتلة «اف-15» 60 مليونا، فيما بلغت تكلفة غارة «استراتيجية» واحدة قامت بها ثلاث قاذفات «بي-2 شبح» انطلقت من قاعدة في ولاية ميزوري 750 الفا ثمن وقود وساعات طيران، كما بلغت تكلفة 45 قذيفة اطلقتها مليون وربع، اي ان الغارة وحدها كلفت قرابة مليوني دولار.
وبعد مرور اسبوع على الحرب الجوية في ليبيا، بلغت تكاليف أميركا 600 مليون دولار، ومع انتهاء العمليات، وصلت الى مليار ومئة مليون من اصل نحو 5 مليارات تكبدها التحالف الدولي.
في سورية، يعتقد الخبراء من امثال آرام نيرغوزيان، في دراسة اعدها لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ان عدد الدفاعات الجوية اكبر وانها اكثر تطورا من نظيرتها في ليبيا، ما سيتطلب حملة دولية اطول وتكاليف يقدرها خبراء في وزارة الدفاع بـ 15 مليار دولار. ولا يبدو ان اميركا او حلفاءها في اوروبا يرغبون في تحملها، في ظلّ اقتصاد لم يتعاف بعد من الازمة المالية التي المت به في العام 2008.
«لقد تعبنا بعد العراق وافغانستان»، يقول كوبر، لكنه يضيف: «يجب ان يقوم زعيم، اي الرئيس، بالتوجه الى الشعب الاميركي بالقول ان هذا في مصلحتنا، وانه الشيء الاخلاقي والصحيح، وبما ان مساعدة المظلوم هو تقليد اميركي، فأنا اطلب دعمكم».
ويختم كوبر: «اعتقد انه لو فعل ذلك سيحصل على هذا الدعم».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق