حسين عبدالحسين
في جنيف حاولت طهران قلب الطاولة على الغرب فاعلنت موافقتها على توقيع البروتوكول الاضافي الخاص بـ"معاهدة حظر انتشار اسلحة الدمار الشامل"، الذي يعطي مفتشي "وكالة الطاقة الذرية" حرية القيام بزيارات مفاجئة الى المفاعلات النووية الايرانية، ويسمح لهم بفرض نظام ضمانات يتضمن تركيب كاميرات فيديو للمراقبة في داخلها.
لكن الوفد الايراني، الذي ترأسه وزير الخارجية جواد ظريف، اعتبر ان البروتوكول يشمل تفتيش المنشآت المتفق عليها فقط، اي انه لا يحق للمفتشين اجراء زيارات مفاجئة لمواقع قد يشتبهون بأن إيران تجري فيها اعمال تخصيب او تسليح نووي.
وأمهلت ايران المجموعة الدولية حتى 7 تشرين الثاني المقبل، موعد انعقاد الجولة المقبلة بين الطرفين في جنيف للرد على عرضها، الذي قدمته بعنوان "نهاية ازمة غير ضرورية وبداية افق جديد".
"نصف الحل" الذي قدمه الوزير الايراني، بالانكليزية في مطالعة الكترونية امام وفود مجموعة دول "5+1" (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا)، يبدو انه يهدف الى شق الصف الدولي بين قائل بأن الحل الايراني المطروح كافٍ ويستأهل رفع العقوبات الاقتصادية التي يفرضها مجلس الأمن، وبين متخوف من ان تقوم ايران بنقل تخصيبها النووي الى مواقع سرية.
التخوف الغربي، وخصوصاً الاميركي، مبني على خلفية محاولة ايران في الماضي اخفاء مفاعل فوردو، المحصن داخل الجبال قرب مدينة قم، قبل ان تكتشف المفاعل اجهزة الاستخبارات الغربية، وتعلن ذلك في ايلول/سبتمبر 2009.
اما الشق الذي يتفق عليه الايرانيون والمجتمع الدولي، حسب مصادر اميركية، فهو يتضمن ما تسميه ايران "حق التخصيب"، الذي تتمسك به، وابقاء مفاعل فوردو يعمل، والحفاظ على كمية اليورانيوم المخصب بدرجة 20 في المئة، والتي يقدر ان ايران تملك منها ما يقارب 185 كيلوغراماً. على ان طهران عرضت ان لا يتخطى التخصيب الذي تقوم به مستقبلاً نسبة الخمسة في المئة.
ويقول الخبراء الاميركيون إن ما تسميه إيران "حق التخصيب" مضمون لجميع دول العالم طالما هو يجري تحت اعين مفتشي "وكالة الطاقة الذرية"، وان لا مشكلة في استمرار عمل مفاعل فوردو، الذي لم تتجاوز نسبة التخصيب فيه الخمسة في المئة، وان حفاظ ايران على كمية اليورانيوم العالي التخصيب، من دون اضافة اي كميات جديدة اليها، يمكن التعامل معه. هذا يعني ان البروتوكول الاضافي، واصدار وكالة الطاقة بيانات حول تجاوب طهران، يمكن ان يضمن سلمية البرنامج الايراني.
لكن المشكلة تكمن في محاولة إيران حصر التفتيش بالمواقع المتفق عليها، وهو ما يخالف البروتوكول اصلاً. غالبية المسؤولين الاميركيين، كما معظم مسؤولي المجموعة الدولية، يحرصون على عدم تسريب تفاصيل العرض الايراني.
وفي هذا السياق، قال مسؤولون اميركيون لصحافيين في العاصمة الاميركية إنهم لن يدلوا بأية تصريحات "قبل ان تقوم الادارة بدراسة العرض وتقديم الرد رسمياً عليه".
وكانت واشنطن، في اشارة الى جديتها في التوصل الى تسوية مع طهران، اضافت الى وفدها المفاوض، وللمرة الاولى منذ بدء المفاوضات قبل سنوات، دبلوماسيين يتمتعون بخبرة تتعلق بالعقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الاسلامية.
كذلك، حرص الاميركيون على الاطباق على أي تسريبات من الاجتماع الثنائي الاميركي - الايراني، الذي جمع الوفد الاميركي برئاسة وكيلة وزير الخارجية ويندي شيرمان ونظيرها الايراني برئاسة عباس عراقجي.
ومع ان التكهنات اشارت الى احتمال ان يكون الاجتماع الاميركي - الايراني تركز حول الانسحاب الاميركي المقرر من افغانستان العام المقبل، الا ان المصادر الاميركية نفت ذلك، وقالت إنه "مجرد ان ظريف كان مسؤولا عن قناة افغانستان بين البلدين لا يعني ان اللقاء تركز حول ذلك". واعتبرت ان الاجتماع ، الذي دام ساعة واحدة، "تطرق الى العلاقات الثنائية والى مواضيع اقليمية".
على ان المسؤولين الاميركيين والدوليين لم يترددوا في الثناء على اداء الوفد الايراني على الاقل في الشكل، بعد مطالعة ظريف بالانكليزية، واعتبر بعضهم انها دلت على جدية ايرانية مقارنة بمطالعات سلفه سعيد جليلي، والتي كانت طويلة وترتكز على ما يعتبره مظالم الغرب بحق ايران، وكان يدلي بها بالفارسية، مع ما يستغرق ذلك من وقت اضافي تسببه الترجمة.
كذلك قال مسؤولون شاركوا في اللقاءات إن الجزء الاول من جولة المفاوضات تضمن نصائح دولية للوزير الايراني بكيفية العناية بظهره سيما وانه يعاني من الام مبرحة اجبرته على حضور اللقاء على كرسي متحرك.
في هذه الاثناء، من المتوقع ان تنتقل شيرمان إلى اسرائيل في الايام القليلة المقبلة لاطلاع المسؤولين الاسرائيليين على تطورات المفاوضات النووية مع الايرانيين. وكان مسؤولون في اسرئيل قالوا إنه، بالنظر لما تسرب حول لقاءات جينيف حتى الآن، لا يبدو ان نوايا ايران جدية في التوصل الى تسوية.
وكانت المصادر الاسرائيلية نفسها حذرت من ان تقدم المجموعة الدولية على عقد اتفاق مع ايران يكون بمثابة اتفاق ميونيخ في العام 1938، والذي تنازل بموجبه الحلفاء المانيا النازية مناطق في اوروبا اعتقاداً منهم ان ذلك سيثني الاخيرة عن الحرب، لكن ما حصل كان العكس تماماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق