الخميس، 31 أكتوبر 2013

نقاش حول كتاب "يسار لبنان"

حسين عبد الحسين - واشنطن

كتاب "يسار لبنان" الصادر عن "مؤسسة روزا لوكسمبورغ" يهدف، بحسب مؤلفه حسين يعقوب، الى "عرض سريع لأهم التطورات والتحولات" في تاريخ اليسار اللبناني "على امل ان يفتح آخرون هذا النقاش".
الكتاب ينقسم الى ثلاثة اقسام. الاول رواية مقتضبة وشيقة لتجربة الكاتب اثناء احداث 7 ايار 2008، التي شهدت اجتياحا لمقاتلي "حزب الله" لمناطق خصومه. الثاني، نبذة حول تاريخ هذا اليسار منذ نشأته وحتى انهيار تجربة "حركة اليسار الديموقراطي". اما القسم الثالث، فأربع شهادات لناشطين يساريين ابرزهم المسؤول العسكري السابق في الحزب الشيوعي اللبناني زياد صعب.
في عملية تأريخه هذه، ينتهج يعقوب مسارا غير واضح، فروايته التاريخية تبدأ بالحزب الشيوعي، ثم تنتقل الى "حركة اليسار الديموقراطي"، وتتوقف بعد ذلك، وكأن تاريخ الاول يتوقف عند قيام الثاني او ان الثاني هو استمرار للاول.
ثم ان الحزب الشيوعي شهد، عبر تاريخه، خروج عدد كبير من كوادره، منهم من انضموا الى احزاب طوائفهم، ومنهم من خرجوا من الحياة العامة وتفرغوا لشؤونهم الخاصة، ومنهم من بقوا معارضين اما داخل الحزب او خرجوا ليأسسوا مجموعات اخرى غير "اليسار الديموقراطي".
حتى ان بعض "المجموعات اليسارية المستقلة"، التي يفترض انها انضوت تحت لواء "اليسار الديموقراطي"، لم تفعل ذلك تماما، فمجموعة "بلا حدود" الناشطة في الجامعة الاميركية في بيروت، على سبيل المثال، لم تحلّ نفسها على اثر قيام "حركة اليسار" في العام 2004، بل هي حافظت على وجودها، حتى انها دخلت في منافسة مع "طلاب اليسار الديموقراطي" في الجامعة نفسها.
ويعزو يعقوب تفتت اليسار في لبنان الى مجموعة من الاسباب، اولها انهيار الاتحاد السوفياتي الذي حرم الحزب الشيوعي اللبناني الاموال التي كان يستخدمها من اجل الحفاظ على شبكته الريعية، وتسليح ذراعه العسكرية، وتاليا منافسته الاحزاب القبلية الطائفية خلال الحرب الاهلية اللبنانية.
السبب الثاني يكمن، لا في انقسام اليساريين الى "مقاومين" ضد اسرائيل =او "سياديين" مطالبين بانسحاب سوريا فحسب، بل في تماهي اليساريين - الى حد الاندماج - مع هذين الاصطفافين الطائفيين، ما قضى على امكان وجود هوية يسارية مستقلة تكون بمثابة خيار ثالث. هكذا تحوّل معظم اليساريين الى ازلام، لا شركاء، في واحد من الاصطفافين اللبنانيين اللذين تشكلا بعد العام 2005، اي 8 و14 آذار.
ويعتقد يعقوب ان انتخاب القيادي الشيوعي السابق الياس عطاالله نائبا في مجلس النواب في العام 2005 لم يكن ليحصل لولا الجهود الكبيرة التي قام بها العزيز الراحل سمير قصير، والذي كان من مؤسسي "حركة اليسار الديموقراطي". الا ان الارهاب الذي طاول هذه الحركة، والذي تمثل باغتيال قصير ومطاردة كوادر آخرين بعضهم هرب الى المنفى و بعضهم الآخر تعرض لاعتداءات بالضرب في شوارع بيروت، أثّر سلبا في ادائها، الى حد ان عطاالله لم يقدم مشروع قانون واحداً لتشريع اي من المواضيع الكثيرة التي دأب اليساريون على المطالبة بها على مدى قرن.
هكذا، وفي غياب النشاط التشريعي، اندمج عطاالله في "14 آذار" بالكامل، قبل ان "يذوب" خلفه النائب امين وهبي، وهو من اعضاء "اليسار الديموقراطي"، في كتلة "تيار المستقبل" التابعة لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
ختاما، يشير يعقوب الى غياب الديموقراطية داخل الحزب الشيوعي كسبب رئيسي ادى الى الانشقاقات اليسارية، وتاليا الى الازمة العميقة التي يعيشها يسار لبنان اليوم.
لا شك في ان غياب الديموقراطية اساس في ابعاد الكوادر وكثرة الانشقاقات. لكن الديموقراطية بقيت غائبة حتى داخل "اليسار الديموقراطي". فعطاالله، الذي غادر الحزب قبل عقد لغياب الديموقراطية داخله، عمل امينا لسر حركة اليسار ثم رئيسا لها حتى اليوم. وكما الحزب الشيوعي وسائر الاحزاب اللبنانية القبلية الطائفية، سادت ثقافة الزعيم والازلام والفصائل المتناكفة داخل "حركة اليسار الديموقراطي".
ومع ان عددا من مؤسسي هذه الحركة واصدقائها حرصوا، منذ بدايتها، على انشاء حزب يقدم نموذجا في ديموقراطيته الداخلية وشفافيته المالية، حتى يتسنى له المطالبة بديموقراطية دولة لبنان والقضاء على الفساد فيها، الا ان قيادة الحركة مارست الاساليب الحزبية القبلية نفسها، من التذرع بالارهاب ضد كوادرها من اجل تأجيل اي مجهود تنظيمي ديموقراطي وانتخابات، الى رفض كشف بياناتها المالية.
ولم تستمع قيادة "اليسار الديموقراطي" الى محازبيها، وراحت تتحدث عن مؤامرات وانشقاقات شبيهة بالتي عاشها هؤلاء القياديون داخل الحزب الشيوعي مع انتقال الثقافة الحزبية القبلية من داخل الحزب الشيوعي الى داخل "حركة اليسار الديموقراطي". ولم تحصل اي انشقاقات هذه المرة، بل خرج كثيرون من كوادر الحركة ومناصريها منها من دون عودة.
كتاب يعقوب خطوة في الاتجاه الصحيح، للاحزاب اليسارية وغير اليسارية اللبنانية، وهو قد يؤدي الى طرح اسئلة من نوع: كيف ينشأ حزب ديموقراطي تنظيميا في منطقة تفتقد الى تقاليد الديموقراطية في كل تنظيماتها، حتى الرياضية والعمالية منها، حيث الرؤساء ابديون؟ وكيف تنشأ احزاب ديموقراطية في وسط ثقافة اجتماعية مبنية على تقليص دور الفرد والتعاضد في جماعات مصلحية وريعية، معظمها ذات طابع طائفي؟ وكيف تنشأ احزاب ديموقراطية في مجتمعات محافظة تكره التغيير وان رفعته شعارا شكليا لتنظيماتها؟ وكيف يمكن اقناع الزعماء على كل المستويات - رؤساء الاتحادات العمالية والنقابية والرياضية والاحزاب السياسية ورؤساء المجالس البلدية والنيابية والحكومية - ان القيادة مسؤولية محدودة الاجل تفرض على صاحبها الاسراع في تقديم انجازات تكفل له تاريخا جيدا من بعده، بدلا من قيامه بتسخير سلطات مركزه لاستمراره فيه قدر المستطاع؟

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008