حسين عبدالحسين
في مايو (أيار) 1986، هبطت طائرة قادمة من تل أبيب في مطار طهران، وترجل منها خمسة أشخاص يحملون جوازات سفر أيرلندية. كانت الطائرة محملة بقطع من نظام صواريخ هوك، التي كانت إيران تحتاجها للتصدي للمقاتلات العراقية. أما الزوار، فحملوا هدايا إلى المسؤولين الإيرانيين كانت عبارة عن مسدسين، وأنجيل وقبعه الرئيس الراحل رونالد ريغان، وقالب حلوى على شكل مفتاح للدلالة على أن الانفتاح ممكن في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.
حضرت مجموعة من الحرس الثوري وتفقدت الأسلحة على متن الطائرة، وصادرت ما بحوزة الزوار، وهم كانوا مسؤولين في «مجلس الأمن القومي» الأميركي وتصدرهم رئيسه السابق روبرت ماكفرلين، وكانوا يحملون جوازات مزورة لتشتيت الأنظار. ثم أخذتهم إلى فندق الاستقلال، أو الهيلتون قبل الثورة، حيث انتظروا نهارا كاملا، قبل أن يرسل الإيرانيون مسؤولين من الصف الثاني للخوض في مفاوضات. وتصدر الإيرانيين أحد العاملين في وزارة الخارجية، وكان رجل دين شابا يدعى حسن روحاني.
أدت المفاوضات إلى إطلاق ثلاثة من الرهائن الأميركيين لدى حزب الله في بيروت، وإلى وصول طائرة ثانية محملة بالسلاح الأميركي من إسرائيل إلى إيران، وإلى تسديد إيران مبلغ 25 مليون دولار ثمن السلاح، فاستخدمت أميركا المال في دعم ثوار نيكاراغوا، مما أعطى العملية اسمها فيما بعد: «إيران – كونترا».
تلك كانت أقرب التجارب إلى حوار أميركي – إيراني مباشر منذ ثورة 1979، وكان مصيرها متعثرا، على الرغم من وصول بعض السلاح الأميركي إلى الإيرانيين بأسعار باهظة، والإفراج عن بعض الرهائن في بيروت. ولم ينجح مكفرلين وروحاني في التأسيس لأي تقارب بين البلدين، وصادر الحرس الثوري المسدسين، والتهم نفر منهم التورتة بالشوكولاته.
الأسبوع الماضي تحادث رئيسا البلدين، باراك أوباما وحسن روحاني، مباشرة على الهاتف. لا وسطاء هذه المرة، مثل تاجر السلاح منوشهر قربانيفر الذي كان عراب لقاء 1986 والذي كان يسعى إلى الكسب المالي. ولا مطالب أميركية لإيران، سوى عدم إنتاج السلاح النووي، وهو طلب يقول الإيرانيون إنه محقق بناء على فتوى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي القاضية بتحريم تخزين أو استخدام أسلحة الدمار الشامل، منها النووية.
إذن، ما العائق في استئناف العلاقة الأميركية – الإيرانية بعد 34 عاما من الخصومة؟
يعتقد أوباما أن «انعدام الثقة» هو العائق الوحيد، والحل لإعادتها هو بالتواصل المباشر بين قيادة البلدين. ولم يكتف الرئيس الأميركي بالإصرار على لقاء روحاني في نيويورك، أثناء مشاركة الأخير في الأعمال السنوية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، بل تبنى فتوى خامنئي، في خطابه أمام الأمم المتحدة، كأساس لتسوية بين البلدين.
وعلى أثر الاتصال الهاتفي بين الرئيسين، تبنى أوباما المزيد من النقاط الإيرانية في حديثه أمام الصحافيين، يوم الجمعة الماضي، فقال إن بلاده تحترم «حق» استخدام إيران للطاقة النووية السلمية، وقال أيضا إن «الاحترام المتبادل» سيكون أساسا لعودة العلاقات بين البلدين.
وغالبا ما يردد المسؤولون الإيرانيون كلمتي «حق» نووي و«احترام متبادل»، أما تبني أوباما لهما فيشير إلى أن الرئيس الأميركي مستعد إلى الذهاب بعيدا في إصراره على تسوية مع إيران، وعلى إعادة العلاقة بينهما بعد أكثر من ثلاثة عقود من الانقطاع.
لقد وضع أوباما التسوية مع إيران على المسار السريع، وإذا ما أخذنا الإطار الزمني الذي حدده روحاني للتوصل إلى تسوية، وأقصاه ستة أشهر، فستبدو التسوية بين البلدين جدية وقريبة في الوقت نفسه.
من يعرقل هذه التسوية؟ هذا الأسبوع حضر إلى البيت الأبيض رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، وبعد تصريحه أن إيران تقول إنها تنوي تدمير إسرائيل، قال أيضا إن مزيجا من «القوة العسكرية والعقوبات» من شأنه أن يؤدي إلى «تسوية سلمية ممكنة»، أي أن المسؤول الإسرائيلي لم يستبعد التسوية، وهو تطور ذو دلالة.
ربما يعلم نتنياهو، على الأقل بعد حشد أميركا لسفنها قرابة الشاطئ السوري وتراجعها عن توجيه ضربة إلى قوات بشار الأسد في سوريا، أن المزاج الأميركي العام يؤيد التسويات الدبلوماسية الأميركية حول العالم، وبغالبية ساحقة، وأنه لو عمدت إسرائيل إلى السباحة عكس التيار الأميركي، فإن ذلك سيرتد سلبا عليها وعلى رئيس حكومتها.
هكذا، تصطف جميع العوامل التي تدفع باتجاه التسوية خلف مبادرة أوباما، فهل يتجاوب الإيرانيون؟ أم يأكلون التورتة ويصادرون الهدايا ويقولون إن زوارهم حضروا إلى طهران بسبب «يأس أميركا»، على حسب تصريح رئيس البرلمان الإيراني في حينه هاشمي رفسنجاني؟ وهو ما دفع ريغان إلى الكتابة في مذكراته أن انهيار التسوية التي سعى إليها مع إيران أشعره «بخيبة أمل تفطر القلب».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق