حسين عبدالحسين
يروي دايفيد مارانيس، في كتابه "باراك أوباما: القصة" انه على اثر انتخابه رئيساً لمطبوعة كلية الحقوق في جامعة هارفرد، لم يلتفت أوباما الى مؤيديه من الكتلة الليبرالية من الطلاب، بل حاول على الفور التواصل مع المحافظين منهم ممن عملوا ضد وصوله. ويقول بعض اصدقاء أوباما إنه كان يعتقد ان لا جدوى من الحديث مع من يشاركونه الرأي، بل المطلوب هو حوار مع من يختلفون معه.
ويبدو ان هذه الخصال لا تزال طاغية على شخصية من أصبح رئيساً للولايات المتحدة. أوباما لم يتردد في دعوة حليف واشنطن الرئيس المصري السابق حسني مبارك للاستجابة لمطالب المصريين والرحيل، لكنه لم يبادر الى توجيه دعوة مماثلة الى خصم الولايات المتحدة الرئيس السوري بشار الاسد، بما في ذلك بعد 5 اشهر على اندلاع الثورة في سوريا. حتى عندما تحدث أوباما عن الاسد، فهو لم يدعوه مباشرةً الى الرحيل، بل طالبه اما قيادة الاصلاح، او الابتعاد عن درب المصلحين.
وعلى نفس المنوال، لا يفوّت أوباما فرصة الا ويحاول التواصل فيها مع قيادة ايران، ويبادر الى الثناء على فتاوى مسؤوليها النووية، وسياساتهم عموماً، داعياً اياهم الى انهاء 34 عاماً من الخلاف، في الوقت الذي يبدي فيه برودة تجاه حلفاء اميركا وأصدقائها في المنطقة، مثل السعودية.
لكن على الرغم من العلاقة التاريخية بين اميركا والسعودية، والتي قادها على مدى عقود سفير السعودية السابق ومدير استخباراتها حالياً، الامير بندر بن سلطان، الا ان التباين بين الدولتين يبدو مستمراً على مدى السنوات الماضية. السعودية عارضت الحرب الاميركية في العراق، ودعت مراراً الى مواجهة ما تعتبره خطر تمدد النفوذ الايراني.
ويروي الرئيس السابق جورج بوش، في مذكراته، انه عندما استقبل الملك عبدالله بن عبدالعزيز واخذه في جولة في مزرعته في ولاية تكساس، تحدث الملك السعودي عن ضرورة توجيه اميركا ضربة الى ايران، وهي مقولة كررتها البعثات الاميركية الموجودة في السعودية في برقياتها الى وزارة الخارجية، والتي سربها موقع "ويكيليكس".
الخبير في الشؤون الخارجية، ماكس فيشر، أحصى المجالات التي اعتبر انها تؤدي الى تباعد واشنطن والرياض، وقال إنهما تختلفان في سياستيهما حول مواضيع ايران والعراق وسوريا ومصر، وان تعاونهما في مجال النفط يتراجع بسبب الزيادة الكبيرة في انتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، وان التعاون بينهما في افغانستان في طريقه الى الافول بسبب قرب انسحاب القوات الاميركية المقرر العام المقبل.
ويعتقد فيشر انه يوجد بين اميركا والسعودية مجالان للتعاون، هما في اليمن وفي الحرب ضد "تنظيم القاعدة" والارهاب عموماً، الا انه وصف هذا التعاون بتعاون الامر الواقع المبني على ظروف مصلحية فقط.
إلا ان التباين بين الدولتين الصديقتين يبدو انه بلغ اوجه على اثر "الاستدارة" التي قام بها أوباما في سوريا بعدما حرك اسطوله لتوجيه ضربة لنظام الاسد لاتهامه بالقيام بهجوم بالاسلحة الكيماوية في غوطة دمشق في 21 آب الماضي، ليتراجع لاحقاً ويدخل في تسوية مع روسيا تقضي بتخلي الاسد عن ترسانته الكيماوية.
هكذا، يبدو ان السعودية صارت مقتنعة اكثر من اي وقت ان الاعتماد على شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لم يعد كافياً لحماية المملكة ومصالحها في المنطقة، وان على الرياض ان تقوم بهذا الدور بنفسها، ربما بالتنسيق مع حلفاء جدد من القوى العالمية.
ولكن الى ان تنجح السعودية في "الاستدارة" من اميركا الى حليف آخر، وهو ما يستغرق بعض الوقت، لا بد تدارك ازمات لا تنتظر، مثل في مصر، حيث رعت الرياض – و لا تزالت تمول -- وصول حكومة مؤقتة الى الحكم في 30 حزيران الماضي.
كذلك، وجدت السعودية نفسها مجبرة على القيام بخطوات منفردة للتعامل مع الازمة في سوريا.
يقول ديبلوماسي اميركي سابق كان مولجاً ملف الثورة السورية إن "وكالة الاستخبارات المركزية" عمدت، في الايام الاولى للثورة السورية، إلى التواصل مع الثوار، من مقاتلين المسلحين ولاجئين مدنيين، لتحديد هوية الفصائل السياسة السورية ومن المعتدل من بينها ومن المتشدد.
وبعد مرور اشهر، صارت الوكالة تشرف على عمليات التسليح التي تقوم بها دول تدعم الثورة السورية، وتعمد الوكالة الى تحديد هوية متلقي الاسلحة ونوع الاسلحة التي يتلقونها، وهو تدبير ظل قائما حتى الامس القريب.
مطلع هذا الاسبوع، نقلت صحيفة "وال ستريت جورنال" عن ديبلوماسيين اوروبيين قولهم إن الامير بندر قال إن السعودية رفضت عضويتها غير الدائمة في مجلس الامن لتقول للولايات المتحدة إنها غير موافقة على سياستها الخارجية. والمعروف ان أوباما واركان ادارته يكررون الحديث عن الزامية التحرك دولياً من خلال المؤسسات الدولية.
واوردت الصحيفة ان الرياض غير راضية عن تراجع واشنطن عن نيتها ضرب اهداف قوات الاسد، وان السعودية طلبت من اميركا خططها لحماية مناطقها الشرقية اثناء الهجوم الذي كان مقرراً، لتسمع من واشنطن ان لا خطط اميركية لحماية السعودية، وهو ما يناقض التحالف بينهما القائم منذ منتصف القرن الماضي.
وتضيف الصحيفة انه بسبب التقاعس الاميركي، فإن علاقة اميركا والسعودية تردت، وان الاخيرة تنوي القيام بخطوات منفردة او باتكالها على حلفاء آخرين، مثل "فرنسا والاردن"، لدعم الثوار في سوريا. وهو ما قد يعني ايضا ان السعودية قد تنفصل عن اميركا، وقد تفتح خطوطاً لتزويد الثوار السوريين بأسلحة عبر خطوط بعيدة عن اعين الاميركيين، ما قد يؤدي الى قلب بعض الموازين على جبهات القتال داخل سوريا.
في باريس قبل أيام، دعا وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل نظيره الاميركي جون كيري الى عشاء خاص. ثم جاءت لغة البيان الختامي للقاء اكثر قسوة من المعهود في ما يتعلق بالشق السوري، ما قد يشير الى ان واشنطن شعرت بضرورة التجاوب مع طلبات الرياض، ولكن السؤال يبقى: هل ينقلب الكلام الاميركي الى افعال؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق