حسين عبدالحسين
أراد الرئيس الأميركي باراك أوباما، ان يكحلها، فأعماها، على حسب القول المأثور. فبعد أشهر من الانتقادات حول سياسته الخارجية، أطل الرئيس الأميركي في خطاب أعلن فيه ضمنيا التخلي عن سياسة "الاستدارة" نحو آسيا، وأعاد تقديم "مكافحة الإرهاب" كأولى أولويات ادارته في السنتين والنصف المتبقية له في الحكم.
ويبدو ان أوباما لا يعتقد ان المشكلة تكمن في سياسته الخارجية، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة، بل هو يرى أن المشكلة هي في عدم تقديم هذه السياسة بفصاحة كافية. هكذا، أطل الرئيس الأميركي في خطاب امام اكاديمية "وست بوينت" العسكرية المرموقة، ليكرر ما دأب هو وافراد فريقه على قوله على مدى السنوات الماضية، بل ليزيد من غموض مواقفه تجاه بعض القضايا المطروحة.
في سوريا، لم يعد الهدف ان يقف الأسد جانباً ليفسح المجال امام الإصلاح، بل صارت المشكلة هي "المعاناة الرهيبة" التي لا يمكن ايقافها بالقوة العسكرية، بل حصراً بالحل السياسي الذي تعثر في جنيف مطلع العام، وتوقف حتى إشعار آخر، حتى أن الأمم المتحدة لم تكلف نفسها عناء تعيين خلف لمبعوث السلام المستقبل الأخضر الابراهيمي.
وتمسك أوباما بفزاعة التهويل من أي تدخل أميركي في سوريا بربطه بأي نوع تدخل بمشاركة قوات أميركية على الأرض السورية، وهو سيناريو لم يحصل ان اقترحه أحد لا من السوريين ولا من الاميركيين المؤيدين لتدخل أميركي في سوريا. اما هدف أوباما من التهويل، فهو البقاء بعيداً عن الصراع السوري المسلح.
وبمزيد من الغموض، أضاف أوباما: "لكن ذلك لا يعني اننا لا يجب ان نساعد الشعب السوري للوقوف في وجه ديكتاتور يقصف ويجوع شعبه، وفي مساعدة أولئك ممن يقاتلون من اجل حق كل السوريين في اختيار مستقبلهم". وكلمة "يقاتلون" في الإنكليزية تحتمل التأويل، ويمكن ان يكون "القتال" سلمياً وغير عسكري.
لكن من يستمع الى مجمل خطاب الرئيس الأميركي، يدرك ان أوباما لا يريد البقاء خارج الصراع السوري كما يدعي، إذ ان هذا الصراع يقع ضمن سياق أوسع، تتبناه الولايات المتحدة وهو مكافحة الإرهاب. لذا، أصر أوباما ان بلاده تسعى لمكافحة "الاعداد المتزايدة للمتطرفين الذين يجدون ملاذا آمنا في الفوضى" في سوريا.
هنا يصبح السؤال: كيف تكافح أميركا التطرف في سوريا من دون أن تتدخل عسكريا؟ الإجابة نظرياً تكمن في الشق العام، الذي قال فيه أوباما أن على واشنطن ان تسعى الى شراكة مع حكومات العالم لتدريب قواتها وتسليحها لمساعدتها على مكافحة الإرهاب.
في الوضع السوري، من هو شريك واشنطن في مكافحة "التطرف المتزايد"؟ المعارضة التي لا تسلحها واشنطن أم الأسد؟ الإجابة غائبة، ولكن الحديث داخل أروقة القرار الأميركي تردد انه على المعارضة والأسد سوية مكافحة الإرهاب.
واليوم، عندما تتحدث واشنطن عن الأسد، فإنها لا تعني النظام السوري، بل تفكر في الإيرانيين. بمعنى آخر، في حال تم التوصل الى اتفاق نهائي حول ملف إيران النووي، لا تمانع واشنطن من التعاون مع طهران في "مكافحة الإرهاب"، وهذه لازمة يكررها المسؤولون الإيرانيون، وخصوصاً عند إطلالاتهم المتكررة عبر الإعلام الأميركي، مثلما فعل وزير الخارجية جواد ظريف عبر مقالة نشرها في مجلة "فورين افيرز" واتبعها بمقابلة مع مجلة "نيويوركر".
الحل في سوريا، حسب تفكير أوباما غير المعلن، يكون في اتفاقية إيرانية مع المعارضة السورية، برعاية أميركية، لمكافحة الإرهاب.
وفي مصر، كما في سوريا، قدم أوباما رؤيته بصراحة وغلفها بغموض، فللمرة الأولى يقول أرفع مسؤول أميركي ان مصالح واشنطن في مصر امنية فقط، وتتركز على الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، ومكافحة الإرهاب. وغالباً ما يضيف المسؤولون الاميركيون أن مصالحهم تتضمن كذلك حرية الملاحة في قناة السويس، وحق استخدام طائراتهم العسكرية للمجال الجوي المصري. ولأن هذه المصالح مؤمنة، لم تقطع أميركا مساعداتها عن مصر، لا في ظل حكومة طنطاوي، ولا مرسي، ولا السيسي، ولا تنوي أن تقطعها بغض النظر عن التقلبات المصرية الداخلية.
هكذا، في الشؤون الداخلية المصرية، قال أوباما أن بلاده ستسمر بالمطالبة "بالإصلاحات التي طالب بها المصريون". ما هي هذه الإصلاحات؟ وعن أي مصريين يتحدث؟ غموض استخدمه أوباما للتعبير عن عدم اهتمامه للصراعات السياسية في الداخل المصري.
ختاماً، كرر الرئيس الأميركي اعتقاده بوجود فرصة تاريخية سانحة للتوصل إلى اتفاق حول ملف إيران النووي، واعتبر أن أي اتفاق سيكون أكثر فاعلية ومتانة من أي عمل عسكري.
أين الجديد في سياسة أوباما الخارجية للفترة المتبقية من حكمه؟ لا جديد. غير انه تخلى عن سياسة "الاستدارة" نحو آسيا الخيالية، التي تحدث عنها على مدى الأعوام القليلة الماضية، والتي تحولت إلى مدعاة سخرية بين منتقديه. أما سياسة أميركا في الشرق الأوسط، فهي تبدو أنها عادت إلى الصدارة في واشنطن، لكن ذلك لا يعني أن أوباما ينوي تغيير شيء فيها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق