حسين عبدالحسين
أثارت، تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما حول سياسة بلاده الخارجية، أثناء جولته الآسيوية مؤخراً، عاصفة من الردود والانتقادات لا سابق لها. تراوحت بين اتهام الرئيس الأميركي بالضعف وانعدام الخبرة، والدفاع عنه بحجة وهن القوة الأميركية، وتراجع دورها خارج إطار ارادته.
صحيح أن النظام الرئاسي في الولايات المتحدة يعطي أوباما نفوذاً هائلاً، لتصميم وتطبيق السياسة الخارجية التي يراها مناسبة أكثر بكثير من نفوذه داخلياً، إلا أن الرئيس الأميركي يبدو أحياناً وكأنه يعاند أو يشاكس للتعمية على ارتباكه، فيما سياساته المنسحبة من المسرح الدولي تعكس فعلياً مواقف الداخل كما مواقف غالبية حلفاء أميركا.
يقول أحد مسؤولي الإدارة الأميركية، في جلسة خاصة، إنه يوم عقد الرئيس العزم على توجيه ضربة عسكرية لأهداف في سوريا، "حتى الدول العربية التي تطالب بتدخل عسكري أميركي منذ زمن لم تصدر بياناً لتأييد الضربة التي كانت مقررة".
بريطانيا كذلك، تراجعت عن مشاركتها في ضربة ضد قوات بشار الأسد، فيما أبدت ألمانيا تحفظها. والتردد الخارجي عند حلفاء أميركا اقترن بتردد داخلي. غالبية الرأي العام الأميركية عارضت الضربة، وكذلك غالبية الكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من الحزب الجمهوري المؤيد عادة للأعمال العسكرية. وحدها "لجنة الشؤون الخارجية" في مجلس الشيوخ وافقت على مشروع قانون يخول أوباما استخدام القوة العسكرية في سوريا، وهي فعلت ذلك بعد تصويت بالكاد حاز على أكثرية الأعضاء.
هذا يعني أنه لو كانت القوات الأميركية شنت ضربتها، لكان أوباما وجد نفسه مضطراً لاستنزاف رصيده الشعبي المتبقي، وهو في غالبه يستند إلى مؤيديه المعارضين للحربين في العراق وأفغانستان. ولو شنت القوات الأميركية الضربة وحصل خطأ ما، مثلاً أن يصيب صاروخ أميركي عن طريق الخطأ تجمعاً سكنياً ويوقع ضحايا مدنيين، لوجد أوباما نفسه في موقف حرج لا يمكن أن يخرجه منه أي تأييد عالمي أو محلي للضربة.
وكما في سوريا، كذلك في أوكرانيا. الأوروبيون منقسمون ومترددون في فرض عقوبات "ذات أسنان" على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واقتصاده المتهاوي أصلاً. المستشار الألماني السابق، غيرهاد شرودر، يعمل في موقع مستشار لشركة الغاز الروسية "غازبروم"، والدول الأوروبية عموماً تخشى من أن يؤدي أي قرار روسي بوقف تصدير الغاز إليها إلى رفع سعر الغاز فيها، وتالياً التأثير سلباً على اقتصاداتها التي بالكاد تستعيد عافيتها.
وأوروبا تتمتع بحجم تبادل تجاري يبلغ أضعاف التجارة الأميركية مع روسيا، ما يعني انه حتى تنجح أي منظومة عقوبات، يحتاج ذلك إلى الثقل الأوروبي أكثر منه للثقل الأميركي. كذلك، لا يعتقد أوباما أن من مصلحة بلاده فرض عقوبات على موسكو تؤدي إلى خسارة الشركات الأميركية لسوقها الروسية، وخصوصاً شراكاتها النفطية مع نظيراتها في روسيا، فيما تحافظ أوروبا وباقي دول العالم على امتيازاتها التجارية مع السوق الروسية، حتى وإن كانت الأخيرة صغيرة نسبية.
الأمر نفسه ينطبق على إيران. أميركا ألقت بثقلها الاقتصادي الهائل لحرمان إيران، وأي دول أو شركات تتعامل معها من امتيازات اقتصادية حول العالم. لكن الحكومات الأوروبية "تقف خلف الباب" في انتظار رفع العقوبات حتى تقفز باتجاه إيران بهدف السعي إلى الربح وإلى الدخول في السوق الإيرانية العذراء، والغنية بسبب ثروة البلاد النفطية.
ويعتقد مسؤولون في إدارة أوباما أن بعض الدول تطلب من أميركا مقاطعة هذه الدولة أو تلك، اقتصادياً. وتذهب الدول المطالبة بالمقاطعة إلى انفتاح اقتصادي على الدول التي تقاطعها أميركا للإفادة المالية والاقتصادية.
حتى إسرائيل، طفلة أميركا المدللة وحليفتها، سبق أن باعت الصين أسراراً عسكرية أميركية، بهدف كسب ود الصين ودخول سوقها التجارية الضخمة، فيما تطلب تل أبيب من واشنطن يومياً معاقبة أي دولة تكسر الحصار الاقتصادي الدولي المفروض على إيران، بما في ذلك الصين، العطشى للنفط الإيراني.
كل هذه العوامل هي التي تدير سياسة أميركا الخارجية: رأي عام أميركي، من اليمين واليسار، أصابه الإحباط من التفاني من اجل حلفاء لا يبادلون الود ويسعون لمصلحتهم، إن كان مالكي العراق وكرزاي أفغانستان، أو المانيا وبريطانيا، وحتى إسرائيل. يمين أميركي يطالب الرئيس بحزم عسكري فيما هذا اليمين نفسه وقف يتفرج عندما اجتاح بوتين جورجيا وقضم منها أراضٍ، ولم يتحرك لتأييد ضربة سوريا في الكونغرس. حكومات حول العالم وشركات تسابق الشركات الأميركية وتطلب منها الخروج من اقتصادات ومقاطعتها لتأخذ مكانها.
أوباما هو الرئيس الواقعي الذي لا يعير لكل المبادئ، التي بشّر بها في الماضي أكثر من أي مسؤول حول العالم، أي اهتمام، وهو على الأرجح لن يعير أي اهتمام لأي من منتقديه، ما يعني أن سياسته الخارجية من اليوم وحتى خروجه من البيت الأبيض في كانون الثاني من العام 2017 ستبقى على حالها.
صحيح أن أوباما عديم الخبرة في السياسة الخارجية، وكان يمكن أن يكون أداؤه أفضل، حتى مقارنة بالمعطيات التي بين يديه وحتى من دون الدخول في مغامرات عسكرية، أو في فرض عقوبات اقتصادية واسعة على هذه الدولة أو تلك، لكن الرئيس الأميركي هو في المحصلة مجموع العوامل المحيطة به، وهذه لا تشي بأن الدول أو الشعوب تكترث اليوم للمبادئ أو للنظام العالمي، الذي تم تشييده منتصف القرن الماضي، بل هي تسعى أكثر إلى المصلحة الذاتية والربح، وهي الأمور التي يعتقد أوباما أن على بلاده أن تسعى من أجلها كذلك، وأن لا تحاول ترميم النظام القديم أو الدفاع عنه منفردة، إلا إذا قررت غالبية عالمية الوقوف في صفها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق