حسين عبدالحسين
«من المهم جدا للدول الأخرى أن تقبل واقع أن دور إيران بارز في الشرق الأوسط وما بعده، وأن تحترم حقوق إيران القومية الشرعية، ومصالحها، ومخاوفها الأمنية». بهذه الكلمات لخص وزير خارجية إيران جواد ظريف مطالب بلاده في مقالة في مجلة «فورين أفيرز»: «على الغربيين، وخصوصا الأميركيين، أن يعدلوا من مفاهيمهم تجاه إيران والشرق الأوسط، وأن يطورا مقاربات أفضل لفهم واقع المنطقة ولتفادي أخطاء الماضي في التقدير والممارسة»، يضيف الوزير الإيراني، الذي يؤكد أن هذه الفرصة قد لا تلوح مجددا، و«أن علينا أن لا نضيعها».
لم يسبق أن قدم مسؤولو «حكومة التغيير» المزعومة، التي انتخبها الإيرانيون باختيارهم حسن روحاني رئيسا لهم قبل عام، رؤيتهم بهذه الصراحة: المشكلة مع الغرب ليست نووية، ولا ترتبط بتغيير مزعوم في القيادة الإيرانية. مشكلة إيران مع الغرب، حسب ظريف، تكمن في رؤية الغرب نحو إيران ودورها الإقليمي والعالمي، وضرورة تغيير الرؤية الغربية حتى تتقبل إيران ودورها، وحتى يتم التوصل إلى حل يرفع العقوبات الدولية عن نظام طهران.
المقالة بحد ذاتها تحمل مؤشرات متعددة، أولها أن اللوبي الإيراني ينشط بشكل مكثف من أجل تسويق اتفاقية أميركية مع إيران مبنية على تعديل – لا السياسات الإيرانية – بل الموقف الأميركي من هذه السياسات.
المؤشر الثاني يتمحور حول قبول، بل تشجيع، المؤسسة الأميركية الحاكمة (الاستابلشمنت) للتغيير في الرؤية الغربية نحو إيران، وضرورة الاعتراف بدور لها شرق أوسطي وعالمي، فمجلة «فورين أفيرز» ليست من المطبوعات الهامشية أو اليسارية، بل هي في صلب النقاش الأميركي حول السياسة الخارجية، واستخدامها منبرا يعني أن طهران تسعى كي تخاطب التيار الأميركي الرئيسي.
ومقالة جواد ظريف مليئة بالتناقضات، التي لا يبدو أن الناشرين في «فورين أفيرز» يعبأون بها.
أبرز هذه التناقضات هي أن ظريف يقدم انتخاب روحاني على أنه العنوان الرئيس للتغيير في العلاقة الإيرانية مع العالم، ويعتبر أن الإيرانيين قالوا كلمتهم بالتصويت من أجل هذا التغيير. لكن التغيير المزعوم في القيادة الإيرانية لا ينعكس تغييرا في مواقف إيران، أو دعمها لمجموعات تقوض سيادات حكومات في المنطقة، مثل «حزب الله» في لبنان وسوريا، و«عصائب أهل الحق» في العراق، وغيرها، بل عليه أن ينعكس تغيير في سلوك الغرب ورؤيته لنظام طهران.
طبعا، تمنع النرجسية ظريف، وهو من الفريق الإيراني العامل على المبالغة بمعنى التغيير في القيادة الإيرانية، من رؤية التناقض الذي يقدمه، كما تمنعه نرجسيته كذلك من أدراك أن تقديمه التغيير على أنه تاريخي قد ينطبق على إيران، لكنه بالتأكيد لا ينطبق على الغرب أو على الدول غير إيران، فما الذي تجنيه دول العالم من استمرار إيران في برنامجها النووي، أو في تقويضها سيادات الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وفي تغذيتها الصراع الطائفي فيه؟
ويعتقد ظريف أن انتخاب روحاني أمر تاريخي، ولكن هذا الانتخاب لا يعني الدول في شيء إلا أن تمت ترجمته إلى تغيير في التصرفات والسياسات الإيرانية، وطبعا هذا لم ولا يبدو أنه سيحصل. ما يعني أن لا تاريخية لانتخاب روحاني، ولا أهمية لهذا الانتخاب إلا في عقل من يعملون على تسويق هذا الانتخاب وتصويره إنجازا للغرب، فيما هو في الواقع لا يغير في الأمور كثيرا.
وبعد أن يمر ظريف في مقالته مرور الكرام على الموضوع النووي، ويكتب بثقة عن أن الاتفاقية النهائية بين إيران والمجتمع الدولي سيتم التوصل إليها لا محالة، يقدم الوزير الإيراني تصوره لدور إيران بوصفها قوة إقليمية يتصورها.
إيران الجديدة ستعمل على توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي، حسب ظريف، الذي يقترح أيضا إنشاء «ترتيب للأمن والتعاون في منطقة الخليج الفارسي»، وكأن المشكلة هي غياب يجمع هذه الدول مع إيران في منظمة واحدة، وكأن المنظمات القائمة، مثل «مجلس دول التعاون»، غير موجودة.
أما الأهم في رؤية ظريف، فهو أنها «بوصفها قوة إقليمية مسؤولة، ستشارك إيران بفاعلية في محاربة واحتواء التطرف والعنف من خلال تعاون ثنائي ومتعدد الأطراف مع دول المنطقة وما بعدها»، يكتب الوزير الإيراني، الذي زار ضريح قائد «حزب الله» العسكري عماد مغنية، والذي رفضت بلاده – القوة الإقليمية المسؤولة – حضور «مؤتمر جنيف» لأنها رفضت عملية انتقال السلطة في سوريا، على الرغم من أن بشار الأسد نفسه أرسل وفدا إلى المؤتمر الذي انتهى بفشل ذريع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق