حسين عبدالحسين
ارتعدت فرائص المسؤولين الاميركيين لدى سماعهم الانباء الواردة من سفارتهم في بغداد، والتي تفيد ان التحالف الوطني، أي الكتلة التي تضم الأحزاب الشيعية الكبرى في العراق، تميل الى تسمية النائب احمد الجلبي رئيساً للحكومة، خلفاً لنوري المالكي، وذلك بتزكية إيرانية كاملة.
التحالف الشيعي المذكور يضم كتل: دولة القانون برئاسة المالكي، والاحرار بزعامة مقتدى الصدر، والمواطن برئاسة عمار الحكيم، والإصلاح الوطني بقيادة إبراهيم الجعفري، وتكتلات نيابية أصغر حجماً، ونواب افراد مثل احمد الجلبي. وحتى صدور مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج النهائية للانتخابات، لا يبدو أن التحالف الوطني سيحوز على غالبية مقاعد البرلمان، البالغة 165 من أصل 325.
ويصر الحكيم والصدر والجعفري على منع المالكي من الوصول الى ولاية ثالثة، وهي رغبة تتماهى مع رغبة الكتل غير الشيعية، والتي يبدو أنها أصبحت تصطف طائفياً بدورها، إذ يتجه النواب السنة الى انشاء تحالف يضم 60 نائباً، ويعارض الولاية الثالثة كذلك، في وقت يعارض الكرد وكتلتهم، التي تتراوح بين 50 وستين نائباً، بقاء المالكي في منصبه لولاية جديدة.
هكذا، مع أن المالكي يترأس أكبر كتلة في مجلس النواب يتجاوز عدد أعضائها الاثنين والتسعين، ومع أن رئيس الحكومة الحالي يحاول جاهداً توسيعها، إما عبر تقديم الوعود للنواب من خارج كتلته بمناصب وزارية وحكومية في حال صوتوا لبقائه، أو عبر تهديدهم بفتح ملفات فساد وإرهاب بحقهم، يعدهم بإغلاقها في حال تأييدهم له.
واشنطن، بدورها، لا تمانع فوز المالكي بولاية ثالثة، وغالباً ما يطلق المسؤولون الاميركيون على رئيس الحكومة العراقي اسم "الشيطان الذي نعرفه". لكن المالكي، على الرغم من الأفضلية التي يتمتع بها مقارنة بباقي الكتل، وعلى الرغم من تسخيره موارد الحكومة العراقية لترغيب وترهيب النواب من خارج كتلته، إلا أن عدد معارضيه في الداخل وإصرارهم على خروجه من الحكم يغلق الباب ويوصده في وجه بقائه.
ولأن إيران تفضل، على الارجح، أن يختار التحالف الشيعي رئيس الحكومة، وأن يفرضه على الكتل غير الشيعية، فهي يبدو أنها راحت تسعى الى البحث عن بديل يرضي جميع أعضاء التحالف، وهكذا برز اسم أحمد الجلبي، السياسي العراقي الأكثر اثارة للجدل، والذي وقف يوماً أمام اللوبي الإسرائيلي في واشنطن وقدم وعوداً بالسلام في حال قيام اللوبي بتأييد حرب الإطاحة بصدام حسين.
وفي وقت لاحق، يقول المسؤولون الأميركيون إنهم اكتشفوا أن الجلبي، الذي كان مقرباً منهم، كان أيضاً على ارتباط بالاستخبارات الإيرانية، وهو اليوم من أقرب المقربين إلى قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
ومازال الجلبي يتمتع بعلاقات في واشنطن، عمل على تسخيرها لمصلحة الضغط داخل العاصمة الأميركية لإنجاز اتفاقية نووية مع إيران ورفع العقوبات عنها. وفي الأسابيع الأخيرة، عمد المقربون من السياسي العراقي الى التسويق له بين المسؤولين الاميركيين – الذين يدرجونه على لائحتهم السياسية السوداء – لتأييده رئيساً للحكومة بدلاً للمالكي.
هكذا، تتزايد فرص الجلبي لاقتناص رئاسة الحكومة من فم المالكي، وهو الأمر الذي يبدو انه أثار ذعر بعض المسؤولين الاميركيين، الذين راحوا يجرون الاتصالات بحلفائهم، في العراق والمنطقة، من أجل تسهيل بقاء المالكي، تفادياً للوصول إلى بديله، أي الجلبي.
وقالت مصادر أميركية إن المسؤولين الاميركيين قالوا لنظرائهم العرب إنه "إذا كنتم تعتقدون ان المالكي رجل إيران وتمتعضون منه، انتظروا حتى يصبح الجلبي مكانه، وسترون كيف يكون رجل إيران الحقيقي حاكماً في بغداد".
لكن حتى لو نجحت أميركا في حث حلفائها العرب على الطلب من حلفائهم العراقيين الابتعاد عن الجلبي، يمكن للأخير الوصول إلى رئاسة الحكومة على الرغم من ذلك، فتأييد إيران له يمنحه غالبية أصوات التحالف الشيعي، وهو ما يضعه على مقربة من عتبة الـ 165. ثم إن لدى إيران حلفاء كرداً يمكنها الايعاز لهم بتأييد الجلبي، الذي يمكنه أيضاً انتزاع بعض الأصوات السنية، مثل إياد علاوي، الذي يترأس كتلة من 21 نائباً والذي تربطه صلة قرابة بالجلبي.
بمعنى آخر، يمكن للجلبي، عبر التأييد الداخلي الذي يتمتع به وعبر الدعم الإيراني، الحصول على أكثرية برلمانية، على عكس رغبات واشنطن والقوى الإقليمية الأخرى، وهو ما يبعد العراق أكثر عن محيطه العراقي ويضعه في موقع أقرب من إيران، حسب رأي بعض الخبراء الاميركيين.
الجلبي رئيساً لحكومة عراقية أكثر قرباً من إيران، هو سيناريو يثير قلق واشنطن، التي يبدو أن بعض المسؤولين فيها يسعون لتفاديه، فهل ينجحون في حشد التأييد لولاية ثالثة للمالكي خوفاً من الوقوع في السيناريو الأسوأ، أم تغلبهم طهران وتضع العراق على مسافة أقرب منها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق