حسين عبدالحسين
"طيب يا (قاسم) سليماني، هذه لعينيك: الآن قواتك هي المنهكة في سورية ولبنان والعراق، ومقاتلينا في بيوتهم. طاب نهارك". هكذا لخص المعلق المعروف في صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان السياسة الأميركية في هذه البلدان الثلاثة. والمعروف ان فريدمان هو من أكثر المقربين من الرئيس باراك أوباما، وهو يزوره في البيت الأبيض بشكل دوري، ما يعني ان مواقف الصحافي الأميركي تعكس الى حد كبير تفكير أوباما نفسه.
وفي المقالة نفسها، كرر فريدمان مواقف كان أدلى بها أوباما حول العراق، في العام 2008، اثناء حملته الرئاسية الأولى. وكتب فريدمان ان الولايات المتحدة تسعى الى رؤية عراق "يتمتع بالحد الأدنى من الاستقرار ولا يهدد أمننا"، مضيفاً: "مَن مِن العراقيين يمكننا أن نساعد؟ الإجابات غير واضحة، وحتى تصبح واضحة، سأكون مرتاباً جداً من التدخل".
وفريدمان كان أحد أبرز المثقفين الاميركيين الداعمين للحرب في العراق في العام 2003، وهو كان من مؤيدي سياسة "نشر الديموقراطية"، معتبراً أن "دولتين فيهما (سلسلة مطاعم) ماكدونالد لا تذهبان الى مواجهة عسكرية"، حسب ما ورد في أحد كتبه.
لكن فريدمان ما لبث ان تراجع، وصار من مؤيدي الانسحاب من العراق، ومن داعمي أوباما في هذا الشأن، وهو ما يعني انه ، من وجهة نظر الرئيس الأميركي، إذا كانت شخصيات ذات تأثير في الرأي العام الأميركي من امثال فريدمان، غير مقتنعة بالتدخل في العراق ضد "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، فأوباما نفسه لن يقحم نفسه في أي ضربة من هذا النوع.
في هذه الاثناء، تشير التقارير الواردة من داخل أروقة القرار الأميركي الى ان واشنطن قدمت لرئيس الحكومة العراقي نوري المالكي مجموعة من الشروط المطلوب تنفيذها، قبل ان تتدخل عسكرياً الى جانب قواته ضد متمردي الموصل، الا انه يبدو ان الإدارة الأميركية لا تعتقد ان المالكي يمكن ان يقبل بالشروط المطروحة.
وتفيد التقارير ان واشنطن اشترطت على المالكي البدء بمصالحة سياسية كاملة مع السنة والكرد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية معهم، والالتزام بالاتفاقيات السياسية السابقة التي نكث بها رئيس الحكومة العراقي، من قبيل منح السنة وزارات امنية، مثل الداخلية والدفاع، التي حجبها عنهم المالكي، وإعادة وزارة المالية اليهم، واسقاط التهم بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي، ومباشرة الحوار معه ومع الزعماء السنة العراقيين.
وتضيف التقارير نفسها أن واشنطن كانت نجحت في إقناع المالكي بوصل ما انقطع مع عشائر الأنبار وقوات الصحوات، وأن الأخيرة ساهمت في استرداد مناطق غربي العراق من أيدي "داعش"، وهو النموذج المطلوب تنفيذه اليوم في الموصل بإعادة الانفتاح على السنة سياسياً.
لكن الترجيحات الأميركية تقول إن المالكي لن يقبل الشروط الأميركية، وأنه سيسعى الى تحقيق فوزٍ عسكري على المتمردين، لإظهار نفسه كمخلص للعراقيين ورجل قوي. وفي نفس الوقت، يستبعد المسؤولون في واشنطن ان يتمكن المالكي من إلحاق أي هزائم عسكرية بخصومه.
هكذا، حركت وزارة الدفاع الأميركية حاملة طائرة "جورج دبليو بوش" من شمال بحر العرب الى جنوب شط العرب لتوجيه رسالة، لا لمتمردي الموصل فحسب، بل للمالكي نفسه، مفادها أن واشنطن جدية في نيتها مساعدته على إلحاق الهزيمة بالمتمردين، على شرط "تنفيذه الإصلاحات السياسية" التي حددتها.
على أن في تحريك حاملة الطائرات استعراضاً سياسياً أكثر منه عسكري، فلواشنطن مقاتلات في قاعدة انجرليك التركية، القريبة جداً من الموصل، وهي لا تحتاج لحاملة الطائرات فعلياً، لكنها تحتاج الى البيان العسكري الذي يوحي بجديتها. ثم ان إمكانية استخدام أوباما لمقاتلات أميركية في توجيه ضربة في الموصل، لا تبدو جدية، لأنها قد تضعه في موقف سياسي حرج داخلياً، فهو لا يمكنه شن ضربة في العراق من دون موافقة الكونغرس، تماماً كما طلب هذه الموافقة الخريف الماضي لتوجيه ضربة مماثلة لقوات الرئيس السوري بشار الأسد على إثر هجوم كيماوي في ضواحي دمشق، في شهر آب/أغسطس الماضي.
أما الموقف الأميركي الفعلي في العراق، ومثله في سوريا، فمبني على اعتقاد أوباما ان لا حلول عسكرية في أي منهما، وان الحلول تقضي بإقامة مصالحات سياسية بين الافرقاء المتحاربين، وبدخول الجهات الإقليمية في هذه المصالحات، ومن قبيل ذلك، جاءت تصريحات وزير الخارجية جون كيري عن إمكانية الحديث مع إيران لإيجاد حلول في العراق.
في الوقت نفسه، يعتقد أوباما ان الخطر الوحيد في العراق وسوريا يكمن في ان تتحول المناطق، في أي منهما، الى مناطق خارجة عن القانون، تسمح للمتطرفين بتجنيد وتدريب مقاتلين يمكنهم شن هجمات داخل أميركا في وقت لاحق، وهو للتعاطي مع هذا الموضوع، يعتقد ان بإمكان أميركا اتخاذ سلسلة إجراءات بوليسية، بالتنسيق مع الحلفاء، لمراقبة هذه التنظيمات ومقاتليها، على صعيد دولي، ومن دون تدخل عسكري أميركي مباشر في هذه المناطق.
الدلائل في العاصمة الأميركية تشير الى ان الولايات المتحدة لن تشن أي ضربة عسكرية، لا في العراق ولا في سوريا، على الأقل حتى تتغير المعطيات القائمة في الشرق الأوسط، أو ربما حتى تتغير الإدارة في واشنطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق