الثلاثاء، 17 يونيو 2014

مسؤولون أميركيون: متقدم جداً ... أداء «داعش» العسكري

واشنطن - من حسين عبدالحسين

في واشنطن، عود على بدء: كيف تتعامل اميركا مع الدول الفاشلة؟ هذا السؤال وجد مستشارو الرئيس السابق بيل كلينتون أنفسهم مجبرين على الإجابة عنه منذ منتصف التسعينات ومع تحول كل من أفغانستان والصومال الى مأوى للتنظيمات الإسلامية المتطرفة. لم تقرأ واشنطن الخطر جيدا واعتقدته تهديدا يطال مصالحها وسفاراتها وجنودها في بقع متنوعة في العالم، مثل في السعودية واليمن وتنزانيا وكينيا. واعتقد كلينتون انه يمكن لأميركا التكشير عن انيابها عبر عمليات استخباراتية تستهدف هذه التنظيمات وضربات صاروخية متفرقة تشنها الاساطيل الأميركية المنتشرة عبر المحيطات.

لكن إجراءات كلينتون برهنت انها كانت خجولة وغير كافية، فدهم الخطر اميركا نفسها في 11 سبتمبر 2001 في هجمات نيويورك وواشنطن. يومذاك، أدركت الولايات المتحدة ان المطلوب حلول جذرية تضع حدا للدول الفاشلة، فتقدم «المحافظون الجدد» من مستشاري الرئيس السابق جورج بوش الذين اعتقدوا انه يمكن للقوة الأميركية الساحقة ان تساهم في «هندسة» هذه الدول، وإعادة صناعتها في صور دول ديموقراطية، كما في التجربتين الاميركيتين الناجحتين في المانيا الغربية وكوريا الجنوبية بعد الحرب العالمية الثانية.

لم تجتح اميركا الامارة الإسلامية المزعومة في أفغانستان وحدها، بل اضافت اليها عراق صدام حسين، والذي على الرغم من بطش حكومته وجنونها، كانت تمسك بالأمن بصورة مستقرة. ومع اجتياحها البلدين، راحت اميركا تنفق ترليونات الدولارات، لا على العمليات العسكرية فحسب، بل على إعادة الاعمار وبناء الدولتين ومؤسساتهما المدنية والعسكرية. كذلك، قدمت اميركا مئات المليارات لبرامج نشر الديموقراطية حول العالم، وأدت حملتها الى مواجهات مع حكومات عديدة، كانت بعضها في مصاف الدول الحليفة والصديقة.

لكن مجهود القوة العظمى خاب. حتى رئيس أفغانستان حامد كرزي ورئيس حكومة العراق نوري المالكي، واللذين لم تتعد سلطتيهما قصريهما او المناطق الأمنية المحيطة بهذين القصرين، انقلبا على واشنطن واستخدما خطابات شعبوية ضدها، ربما بهدف كسب شعبية. ولا شك ان تصرفات كرزي والمالكي تقع في صلب الإحباط الذي أصاب ادارتي بوش وباراك أوباما، وفي وقت لاحق انتقل الإحباط من أروقة القرار الأميركي الى عامة الشعب.

هكذا، بنى أوباما رئاسته على سياسة «عكس ما فعل بوش»، خصوصا خارجيا. أولى مؤشرات كيفية تفكير أوباما جاءت في جلسة استماع، في ربيع العام 2008، عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ برئاسة جو بيدن ومشاركة سفير اميركا في العراق ريان كروكر وقائد قواتها الجنرال دايفيد بترايوس.

في تلك الجلسة، لم يطلب المرشح الرئاسي السناتور أوباما توضيحات، بل قدم ايجازا لرؤيته: إذا اوصلنا العنف في العراق الى مراحل متدنية مقبولة، ولم يعد العراق تهديدا امنيا على جيرانه، لماذا لا يمكننا الانسحاب؟

كان واضحا ان أوباما تخلى عن فكرة «بناء الأمم» في العراق وأفغانستان وحول العالم، واستبدلها بمقولة ضرورة استخدام الموارد «لبناء الأمم هنا في وطننا» الأميركي. وكان واضحا ان أوباما يعتقد ان الانسحاب «بالتي هي أحسن» هو الحل الأنسب.

هكذا، خرجت اميركا كليا من العراق، وتضاءل اهتمامها بشؤونه، وتم تسليم الملف العراقي الى نائب الرئيس بيدن، الذي سلمه بدوره الى مستشاره لشؤون الأمن القومي انتوني بيلنكن، الذي يعمل اليوم نائبا لمستشارة أوباما للأمن القومي سوزان رايس.

لم يكترث بلينكن للانتقادات حول سياسة أميركا في العراق وحول ضرورة ممارستها الضغوط على المالكي للسير في تسوية سياسية جامعة يمكنها محاربة الإرهاب ومنع عودته. أبرز تبرير قدمه بلينكن كان مفاده ان المالكي يقوم بزيادة ضخ النفط العراقي، وهو ما يسمح بإخراج النفط الإيراني من السوق بهدف فرض عقوبات دولية على طهران بسبب ملفها النووي.

اليوم، تراكمت أخطاء اميركا في العراق، قبل الحرب، واثناء احتلالها له، وبعد خروجها منه، واتضح ان جل ما فعلته هناك سراب.

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى شرط عدم ذكر اسمهان «الجيش العراقي الذي انفقنا موارد هائلة على بنائه على مدى العقد الماضي، يمكنه ان يرسل الدبابات لمحاصرة بيت (نائب الرئيس العراقي طارق) الهاشمي بتهمة الإرهاب، لكنه يلقي سلاحه وينزع بزته العسكرية ويهرب عندما يرى ارهابيي داعش وهم يستولون على الموصل».

وبسيطرتهم على الموصل، استولى مقاتلو «داعش» على كمية كبيرة من الدولارات المودعة في البنوك، وعلى مخازن السلاح الحكومية، «وهو ما يعطيهم دفعا أكبر لتوسيع عملياتهم «داخل العراق، وربما في دول أخرى»، وفق المسؤول الاميركي الذي قال ان «كل المجهود الذي نقوم به لمراقبة الأموال حول العالم سنتا سنتا... بوم جاءت داعش ونسفته، وصارت بحوزتها أموال واسلحة».

على ان الإحباط الأميركي لا يتركز حول اكتساح «داعش» لشمال العراق الغربي، بل حول المطلوب فعله مستقبلا. وقال المسؤول: «ماذا نفعل الآن، نرسل قواتنا لاحتلال الشرق الأوسط بأكمله؟ هذه تجربة لم تنجح»، مضيفا «نسلح ميليشيات معادية لداعش، فيرتدون علينا كما في أفغانستان و11 سبتمبر؟».

مع انتصارات «داعش» يبدو ان الأفكار نضبت في رؤوس مسؤولي أوباما، وعدد كبير منهم سبق ان عمل في إدارة كلينتون وواجه المعضلة نفسها: «كيف نتعامل مع الإرهاب العالمي ومع الدول الفاشلة التي تحضنه؟»

أحد الحلول يقضي بإيجاد «شركاء» يمكن الركون إليهم، وهو ما تحدث عنه أوباما في خطابه في كلية ويست بوينت العسكرية الأسبوع الماضي. تدريب هؤلاء الشركاء وتسليحهم وتمويلهم هو أيضا جزء من الرؤية الأميركية لمكافحة الإرهاب والتطرف. يمكن كذلك استخدام طائرات «درون» من دون طيار والقوات الأميركية الخاصة لمطاردة زعماء هذه التنظيمات، مثل في حالة اليمني الأميركي أنور العولقي واسامة بن لادن.

لكن للشركاء دورا أساسيا في الموضوع.

يقول المسؤولون الاميركيون ان واشنطن قررت تدريب وتسليح 9600 من المعارضة السورية المسلحة المعتدلة مع نهاية هذا العام. «الراي» سألت هؤلاء: «هل يمكن لقوة متواضعة كهذه احداث فرق في سورية؟» يجيب أحدهم: «لقد دربنا وسلحنا وقدمنا للمالكي كل الدعم، بما في ذلك صور جوية عن امكان انتشار الإرهابيين شمال وغرب العراق، وهو ظل منشغلا بالمناكفات السياسية، فانهارت قواته في الموصل في اقل من 72 ساعة».

ويضيف المسؤولون الاميركيون ان أداء «داعش» العسكري في الموصل «كان متقدما جدا»، وهو ينذر بتقدمهم على جبهات أخرى، «او على الأقل حفاظهم على الدولة او الامارة او أي كيان مستقل يحاولون انشاءه شمالي العراق وسورية، ونعود الى المشكلة التي واجهتنا مع امارة الطالبان قبل عقد».

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008