حسين عبدالحسين
يردد المسؤولون الاميركيون ان قلقهم الاكبر ليس سفك الدماء الذي تقوم به تنظيمات مثل "الدولة الاسلامية في العراق والشام" في العراق وسوريا، بل من امكانية قيام شبان، يحملون جوازات دولة غربية، ممن جندتهم هذه المجموعات العسكرية غير النظامية، باستغلال التسهيلات التي يكتسبونها من جوازاتهم للعودة الى دول غربية وتنفيذ هجمات فيها.
في مدينة ديبورن الاميركية في ولاية ميشيغان، وقف شاب عراقي يحمل الجواز الاسترالي يتحدث عن ضرورة ان يقبل الشبان العرب على تدريب وتسليح انفسهم وتشكيل ميليشيات مسلحة قتالية. طبعا لو صدف ان الشاب كان من "مجموعة" ما، كان يمكن لأجهزة الأمن الاميركية ان تعتقله وهو في منتصف خطابه، او حتى قبل ان يبدأ به. لكن ان يكون الشاب هو قائد ميليشيا "جند الامام"، التي تشكل اللوائين ٦ و١٥ من ميليشيا "الحشد الشعبي" الشيعية العراقية المنخرطة في القتال غرب وشمال غرب البلاد، فذلك لا يعني فقط ان السلطات الاميركية غضت النظر، بل أن الحفل الذي خطب فيه قائد "جند الامام" حضره عضو الكونغرس جون كونيرز.
الخطيب الشاب هو عضو مجلس النواب العراقي عن ائتلاف دولة القانون احمد جاسم صابر الأسدي، المعروف بأبي جعفر الأسدي، وهو يقود "جند الامام" منذ العام ٢٠٠٩، خلفا للراحل مهدي عبد المهدي، الذي كان معروفا بأبي زينب الخالصي.
والتنظيم المذكور، حسب العارفين، حظي منذ تشكيله برعاية خاصة من قائد "فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني" اللواء قاسم سليماني، ومساعده العراقي النائب جمال الجراح، المعروف بأبي مهدي المهندس، والاخير مطلوب دوليا لتنفيذه تفجيرات في الكويت في الثمانينات استهدفت قادتها والسفارة الاميركية فيها.
الأسدي خطب في مؤتمر "حشدنا كرامتنا"، الذي نظمه "معهد شباب العراق" في ديربورن، وتحدث فيه عدد من العراقيين، كان من بينهم رجل الدين حسن القزويني، الذي شن هجوما ضد انقرة وعواصم عربية، واتهمها برعاية داعش. وعلى الرغم من حرص المنظمين على اظهار "الطابع الوطني" للقاء، الا ان احد المشاركين وقف من دون ان يكون مدعواً للخطابة، وتحدث بفجاجة طائفية عن المؤامرة التي تستهدف الشيعة حول العالم والدور المطلوب منهم لمواجهة المتآمرين.
والأسدي سبق ان اعلن مراراً عداءه وعداء تنظيمه لاميركا، وهو عداء مؤكد عززه قيام التنظيم بعمليات عسكرية دفعت القوات الاميركية، اثناء احتلالها العراق، الى اعتقال الخالصي وسجنه عامين، توفي الخالصي من بعدها، فوجه انصاره التهمة للاميركيين بتدبير وفاته.
الأسدي جاء مع عدائه الى عقر الولايات المتحدة، وحث العراقيين الاميركيين على التبرع والتطوع والقتال في صفوف ميليشيات غير نظامية. كل ذلك تحت أعين السلطات الاميركية، التي أكدت حكومتها انها لم ترسل ممثلين عنها لحضور الحفل، وهذا صحيح.
لكن جولة الأسدي في أميركا، ومقال "وال ستريت جورنال" الذي نقلت فيه عن كبار المسؤولين الاميركيين مديحهم لـ "جند الامام"، يشي بأن الظاهر هو غير المستور، وبأن واشنطن عندما تعلن عداءها للمجموعات المسلحة غير النظامية حول العالم، خصوصا التي تحمل طابعا اسلاميا، فهي تعادي ميليشيات وتصادق اخرى.
"جند الامام" كانوا في ضيافة "العم سام"، وهذا حب بعد عداء، قد يليه عداء بعد حب. هكذا هي سياسة اميركا الخارجية، لا تتوقف عن التأرجح بين الاضداد، والفشل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق