حسين عبدالحسين
مطلع العقد الماضي، أطل حاكم ليبيا الراحل معمر القذافي في مقابلة عبر محطة تلفزيونية بثت شريط فيديو أظهر “الأخ العقيد” يقود جرافة ويهدم جدران مبنى قيل انه كان سجنا. “لا مساجين سياسيين لدينا، وانا شخصيا هدمت جدران آخر السجون”، قال القذافي في تلك المقابلة، مستخفا بذكاء المشاهدين، الذين كان مطلوبا منهم ان يصدقوا ان كل الناس كانوا احرارا في “جماهيرية” الرعب الليبية.
الاسبوع الماضي، اندلع حريق في منطقة مجاورة لمسجد المجتبى في ضاحية بيروت الجنوبية. حضرت فرق الاطفاء، وفي عقبها حضرت اختان من عشيرة “آل شمص” الشيعية، وهي من كبرى عشائر بلدة الهرمل، الواقعة في شمال سهل البقاع، شرق لبنان. راحت الاختان تلتقطان الصور لعملية الاطفاء، فحضر رجال بثياب مدنية وطلبوا معرفة هوية الاختين واسباب التصوير. ولأن الرجال لم يكونوا ببذات أمنية، رفضت الاختان الاجابة، وطلبتا معرفة “بأي حق” يسألهما الرجال اسئلة ويحققون معهما. اجاب الرجال انهم من “أمن حزب الله”، وان مسجد المجتبى هو “منطقة أمنية” تابعة لـ “المقاومة”، وتاليا لا يجوز التصوير فيها.
وتشنجت الاجواء، وربما ارتفعت الاصوات، فما كان من أمن “حزب الله” الا ان اعتقلوا الاختين، واقتادوهما في سيارة الى حيث تم التحقيق معهما، قبل الافراج عنهما. وبعد خروج الامرأتان المحجبتان الى الحرية، أطلا عبر وسائل اعلامية لبنانية “غير صديقة للحزب”، وأدلت احدى الاختين بخطاب مؤثر بدت فيه العصبية، ووجهت اسئلة الى امين عام الحزب السيد حسن نصرالله، متسائلة كيف يجوز لعناصره الامنية الاعتداء على اعراض الناس واقتياد النسوة الى مراكز تحقيق.
وتابعت الأخت العصبية القول انها رأت زنازين في مكان اعتقالها، وحملت صورة قالت انها لأخيها المقتول منذ سنوات، محملة الحزب مسؤولية موته و”دية دمه”. وانتشرت فيديوهات خطبة الاخت المفجوعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيما التزم مسؤولو “حزب الله” الصمت.
بعد مرور أيام، نقلت احدى المواقع الاعلامية عن “مسؤولين في حزب الله”، وجهة نظر الحزب فيما جرى، وبدا وكأن التصريحات تلك، التي تناقلتها مواقع حلفاء الحزب، هي الرد الرسمي على اتهامات الاختين شمص.
لم تختلف رواية الحزب كثيرا، بل اضافت ان سبب موت شقيق الاختين شمص هو ان سيارة اطفاء دهسته عن طريق الخطأ وأودت بحياته، وان الاختين تجزمان، من دون مبرر، ان السائق كان عضوا في الحزب، وتحملان الحزب المسؤولية، وهو ما بث كراهية لدى الاختين ضد الحزب دفعتهما الى افتعال المواجهة امام مسجد المجتبى.
قد يكون مسؤولو “حزب الله” محقين، اذ لا يجوز تحميل الحزب مسؤولية مقتل شخص في حادث من دون اجراء تحقيقات لازمة والتثبت من ان الأمر كان جريمة مقصودة. لكن الطامة الكبرى هي ما كشفه مسؤولو الحزب في الباقي من تصريحاتهم الى الموقع المذكور.
يقول مسؤولو حزب الله: “تم إصطحاب (الاختين) أمل ومنى إلى أحد المراكز القريبة والتحقيق معهما بعدما أثارتا الشبهات، دون أي تعرض لهما”. ويضيف المسؤولون ان عناصر “حزب الله” إكتفوا بسؤال السيدتان “عن مهمتهما ووجهتهما والهدف من التصوير والتحقّق من الصور والسؤال عن أسباب” تهديد مزعوم بالتفجير قامت به احدى الاختين. “وبعدما لم تصل الأمور حدّ التعاون أخرجا من المركز دون أن يتعرض لهما أحد بأي أذى أو كلمة”.
وتابع مسؤولو الحزب: “ما أثار إنتباه عناصر الحماية، وهو إلتقاط السيدتان الصور بالقرب من مجمع المجتبى، ما اثار شبهة حول إمكانية قيامهما بتصوير أمور أمنية خاصة في مركز معروف أنه تابع للمقاومة، وهذا ما دفعهم للحضور لمعرفة ما يجري، وهو أجراء روتيني يحصل في حال حصول هذا الأمر”.
وختم الموقع حول ما صرحت به الاختان شمص حول وضعهما في زنزانة، “نفى المصدر وجود مثل هذه الزنازين في الضاحية الجنوبية”، كاشفاً “ان ما تم التصريح به عارٍ عن الصحة وهو ملفّق ونابع من حقدٍ دفين ومحاولة لتشويه صورة حزب الله أمام الرأي العام”.
لم يتنبه مسؤولو “حزب الله” تصنيفهم مسجدا على انه “مركز معروف انه تابع للمقاومة”. كما لم يتنبه هؤلاء المسؤولون الى انه ليس امرا “روتينيا” ان يقوم شخص مدني من غير القوى الامنية اللبنانية باحتجاز او اعتقال اي مواطن لبناني او اقتياده الى مكان حيث يتم التحقيق معه.
ومن نافل القول ان مسؤولي “حزب الله” انشغلوا بنفي ان لديهم “زنازين” في ضاحية بيروت، ولكن ان كان الامر كذلك، فما هدف الاعتقال والتحقيق؟ وماذا يحصل لو تبين ان من تم اعتقالهم هم فعلا خارجين عن القانون؟
في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل “حزب الله”، معتقلون ومحققون ومراكز تحقيق من دون زنازين، كما كان في جماهيرية الاخ العقيد في ليبيا مساجين سياسيين من دون سجون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق