حسين عبدالحسين
رصدت الدوائر المعنية بالسياسة الخارجية في العاصمة الاميركية مسارعة الجمهورية الاسلامية في ايران لتوقيع اتفاقيات بيع نفطها لأطراف دولية، بأسعار مخفضة نسبياً، بهدف اغراء زبائنها الدوليين. ويعزو المتابعون الاميركيون السرعة الايرانية الى خشية طهران من قيام ادارة الرئيس المقبل دونالد ترامب بتجديد العقوبات الاقتصادية عليها في الكونغرس، وإن أحادياً، ومن دون موافقة مجلس الأمن الدولي، إذ إن امكانية حرمان المتعاملين مع ايران السوق الاميركية الضخمة من شأنه ان يبعد زبائن ايران النفطيين عنها، وهو ما تحاول طهران استباقه بتثبيت عقودها النفطية مع هؤلاء الزبائن.
خطوة ايران هذه تشي بأن الجمهورية الاسلامية انتقلت من الهجوم الى الدفاع، ومن المستبعد ان تقوم بتحرشات استفزازية بحق البحرية الاميركية في الخليج، على غرار ما درج على فعله الايرانيون منذ توقيع طهران على الاتفاقية النووية العام الماضي. كذلك، من المرجح ان تقلّص ايران من مغامراتها الاقليمية، على الأقل حتى ينقشع خير ترامب من شره، وحتى تعثر طهران على ثغرات، يمكنها استغلالها ضد الرئيس الاميركي المقبل، لابعاده وتشتيت انتباهه عنها.
لكن الاوراق الدفاعية في أيدي الايرانيين قليلة، فترامب لا يهمه لو احترقت منطقة الشرق الاوسط برمتها، وهو ما يعني أن أسلوب قيام طهران بإثارة القلاقل في بقع معينة، ثم تقديم نفسها كطرف مفيد لحل هذه المشاكل، لن ينجح في عرقلة عدوانية ترامب تجاه ايران. حتى في سوريا، ستسعى ادارة ترامب الى حل، ولكنه حل بالتناغم مع الروس والاسرائيليين والرئيس السوري بشار الأسد، وهو حل يقضي بإخراج إيران من سوريا ومن معظم ملفات الشرق الاوسط.
تهديد الحدود مع اسرائيل، وهو الاسلوب الذي لجأت اليه ايران منتصف العقد الماضي لتثبيت سيطرتها على لبنان، ليس ممكناً حالياً، إذ إن حلفاء ايران في لبنان يعانون من الإنهاك الذي اصابهم بسبب الحرب السورية، وهم لا يستسيغون جبهة جديدة مع الاسرائيليين، خصوصاً في ظلّ اعلان تل ابيب صراحة نيتها أذية المدنيين اللبنانيين، في حال اندلاع أي حرب، بموجب العقيدة التي يسميها الاسرائيليون "عقيدة الضاحية"، وهي فعلياً عقيدة تدمير الضاحية، وهو ما يضعف حزب الله كثيراً بين مناصريه، ويثنيه ويثني ايران عن الانخراط في مواجهة مع الاسرائيليين لكبح جماح الاميركيين.
وكانت إيران قد حاولت إقامة قواعد عسكرية في الجولان السوري، بديلة للجنوب اللبناني، لتهديد أمن اسرائيل كورقة ضغط على واشنطن. لكن الاسرائيليين منعوا بشراسة المحاولات الايرانية ورسموا، عن طريق مقاتلاتهم وتوجيههم ضربات دورية داخل سورية، حزاما أمنياً ابعدوا بموجبه اي خطر صاروخي إيراني يمكن اقامته في الجنوب السوري.
أما في العراق، فإيران تطلق النار في الاتجاه الأميركي نفسه، وهي تفعل ذلك تلبية لمصالحها الايرانية، وستستمر في ذلك حتى لو تقاعس الاميركيون، ما يعني أن أحداث العراق لن تؤثر في سياسات ترامب او مواقفه.
ترامب وصحبه يكرهون المسلمين. إيران كانت نجحت في إقناع أوباما وفريقه أنها ليست من المسلمين، بل من الأقليات. وراح الإيرانيون يستعرضون مودتهم للمسيحيين واليهود، مثل في تغريدات الرئيس حسن روحاني، أو في تمويل حلفاء ايران إقامة شجر للميلاد المسيحي في مناطق لبنانية.
لكن مع ترامب، شبه الأمي، لا فرق بين "الجمهورية الاسلامية" في ايران، و"الدولة الاسلامية" في العراق، فالإسلام — حسب مستشار الأمن القومي المقبل مايكل فلين — هو ليس دين، بل هو واجهة لعقيدة سياسية متطرفة، وهو اعتقاد يشاركه فيه شريكه على رأس الفريق الترامبي، اي المستشار الرئاسي للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون، الذي يعمل على بناء تحالف يميني مسيحي عالمي غربي في أميركا واوروبا لمواجهة عدو وحيد، هو "الاسلام المتطرف".
العاقل الوحيد في فريق ترامب قد يكون وزير دفاعه جايمس ماتيس، لكن هذا يكره ايران والايرانيين، أولاً بسبب خسارته أصدقاء في الهجوم ضد المارينز في لبنان في العام 1983، وثانياً بسبب خسارة أميركا الف جندي في العراق بسبب الميليشيات الايرانية، وثالثاً، لأن ماتيس يعتقد أن إلحاق الهزيمة بايران في سوريا يعيد طهران 25 عاماً الى الوراء.
لطهران آذان وعيون في واشنطن، وهي تسمع وترى ما يقال وما يحكى، وتدرك أن الفترة المقبلة هي فترة دفاعية حتى تنجلي الامور فتستأنف الجمهورية الاسلامية زيادة عدد العواصم العربية التي يتباهى مسؤولوها بالسيطرة عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق