| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
استبدال ايران وصديقها الرئيس باراك أوباما، من جهة، بروسيا وتركيا وصديقيهما الرئيس المنتخب دونالد ترامب، من جهة أخرى، هو الذي ادى الى «الانفراج غير المسبوق في الأزمة السورية»، حسب ما ذكرت مصادر اوروبية في واشنطن. اما الرئيس السوري بشار الأسد، فمصيره تبدل من المشاركة في حرب مفتوحة للقضاء على كل معارضيه، حسب السياسة الايرانية، الى المشاركة «في الاشراف مع معارضيه على التسوية»، حسب السياسة الروسية.
وتؤكد المصادر الاوروبية لـ «الراي» ان «الصراع السوري يبدو الى حد بعيد صراع شخصيات لا صراع سياسات»، فللرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان لائحة من الشكاوى ضد نظيريهما الاميركي أوباما، وهما يحاولان اظهار ان الشؤون الدولية، خصوصا الحرب السورية، كانت مستمرة بسبب سياساته، وان الحل ممكن فور خروجه من الحكم.
وتتابع المصادر ان مستشار ترامب لشؤون الامن القومي مايكل فلين على اتصال مع الحكومتين الروسية والتركية، وان «المشاركة الاميركية في الحل السوري، المقرر اعلانه بين الأسد ومعارضيه في الآستانة، ستأتي في الايام الاولى لدخول ترامب البيت الابيض» في 20 يناير المقبل.
ومنذ انتخابه رئيسا الشهر الماضي، باشر ترامب وفريقه بالعمل على مجموعة من السياسات الداخلية والخارجية التي سيتم تنفيذها في المئة يوم الاولى لتسلمه الحكم، وهو ما يتطلب الاعداد لها قبل دخوله البيت الابيض. وفريق ترامب على اتصال بالكونغرس، الذي تسيطر عليه غالبية من حزبه الجمهوري، بهدف الاسراع في الحصول على مصادقات لتعييناته الوزارية، وكذلك من اجل اقرار بعض القوانين مثل تمويل الموازنة، بهدف الاسراع في البدء بتطبيق اجندة ترامب.
وكما في الشؤون الداخلية، عمد ترامب، الذي استهل تعيين فريقه بإعلان فلين مستشاره للأمن القومي، الى التواصل مع حكومات العالم من اجل العمل على التوصل الى سياسات يتوجها الرئيس الاميركي المقبل في الاسابيع الاولى لتسلمه الرئاسة، منها محاولة انهاء الأزمة السورية.
وتسببت حماسة ترامب بإثارة مشاكل مع الادارة الحالية، الباقية في الحكم حتى العشرين من المقبل، ما دفع ببعض المشرعين الديموقراطيين في الكونغرس الى محاولتهم اقرار قانون يحظّر على الرئيس المنتخب ممارسة اي مهام او الاتصال بحكومات اجنبية قبل تسلمه الحكم رسميا. واطلق الديموقراطيون على مشروع قانونهم اسم «تفادي سيناريو وجود رئيسين للولايات المتحدة».
ويبدو انه بهدف تأديب ترامب والجمهوريين وصديقتيهما اسرائيل، عمد أوباما الى الامتناع عن ممارسة حق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي وصف المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية بأنها «غير شرعية ومعرقلة للسلام». كذلك، يسارع أوباما الى اقرار مجموعة من المراسيم الاشتراعية في الايام القليلة المتبقية له في الحكم، وهي مراسيم كانت ادارته ماطلت باقرارها اعتقادا منها ان الديموقراطية هيلاري كلينتون كانت سترث الادارة الاوبامية.
ويبدو ان علاقة اميركا بايران تحولت الى جزء من الصراع بين ترامب وأوباما، الذي نجح في التوصل لاتفاقية نووية مع الايرانيين رغم عاصفة المعارضة التي اثارها الجمهوريون والتي يتابعها ترامب اليوم.
وكان أوباما عمد الى مراعاة السياسات الايرانية في الشرق الاوسط، فوافق على الاطاحة برئيس حكومة العراق نوري المالكي، الذي كان يحاول بناء زعامة شيعية مستقلة عن ايران، خصوصا عن طريق التشدد في وجه السنة العراقيين.
كذلك، حصر أوباما سياسة أميركا في المنطقة بمشاركة بلاده في الحرب ضد تنظيم «الدولة الاسلامية»(داعش)، من دون اي من التنظيمات الاخرى التي تصنفها الولايات المتحدة في خانة التنظيمات الارهابية.
وقوف أوباما في صف طهران سمح باطالة أمد الحرب السورية، فايران مصممة على تصفية كل معارضيها في المنطقة، ممن يصنفهم العالم ارهابيين ام لا يصنفهم. لكن ترامب سيعكس سياسة أوباما تجاه الجمهورية الاسلامية، وترامب لم يقدم في سياسته الخارجية حتى الآن الا ثوابت ثلاثة: معاداته «الدولة الاسلامية»و «الجمهورية الاسلامية» الى حد المساواة بينهما، ودعمه المطلق وغير المشروط لاسرائيل.
بدورها، قد لا تتبنى روسيا وتركيا سياسات ترامب بالكامل، خصوصا تجاه اسرائيل، وهو ما بدا جليا في وقوف موسكو في صف العالم ضد تل ابيب في قرار مجلس الأمن الاخير. لكن روسيا توافق حتما على معاداة «الدولة الاسلامية»، وهي تعتقد انه يمكنها ان تستفيد من انقلاب موقف واشنطن تجاه طهران لناحية تحصيل الروس مكاسب في الشرق الاوسط على حساب اصدقائهم الايرانيين.
وتشرح المصادر الاوروبية ان بوتين ارسل حاملة طائراته الوحيدة «كوزنتسوف» الى البحر الابيض المتوسط، في اشارة ضد طهران، بعدما عارضت الاخيرة السماح له باستخدام قواعدها الجوية لاقلاع قاذفاته المشاركة في الحرب السورية. وتضيف المصادر:«بوتين كان يعتقد ان ايران ستتحول الى تابعة له، لكن الايرانيين حرصوا على اظهار العلاقة على انها شراكة، مع حفاظهم على اليد العليا على الارض في العراق وسورية ولبنان».
اما تركيا، فهي تعتقد انه يمكنها الركون الى روسيا لمواجهة المد الايراني داخل سورية والعراق. كما تتأمل تركيا ان تنسج علاقة مع ترامب أمتن من علاقتها المهزوزة مع أوباما، مع ما يعني ذلك من امكانية موافقة الرئيس الاميركي المقبل على تسليم انقرة عدوها اللدود التركي المعارض فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا.
لاسباب شخصية اختلطت بالمصالح الدولية، يبدو ان موسكو وانقرة تدفعان في اتجاه هدنة سورية مؤكدة وتسوية تنتظر فقط مهر ترامب توقيعه عليها. اما ايران، فهي ستضطر اما الى تخريب التسوية الدولية، بتكلفة سياسية وبشرية مرتفعة على الارجح، او انها ستقبل بالمرسوم بانتظار ظهور ثغرة في التحالف الروسي - التركي - الاميركي المستجد، والذي قد ينفرط في أي لحظة مستقبلا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق