| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
بلغت الأزمة بين الولايات المتحدة واسرائيل مراحل غير مسبوقة في تاريخ العلاقة بين الحليفتين.
على شاشات الشبكات التلفزيونية الاميركية - اليمينية «ان بي سي» والوسطية «سي ان ان» واليسارية «ام اس ان بي سي» - ردد الخبراء عبارة لطالما كانت محظورة حتى الامس القريب بوصفهم اسرائيل على انها نظام «ابرثايد» للفصل العنصري، في تشبيه لنظام الفصل العنصري البائد بين البيض والسود في جمهورية جنوب افريقيا.
اما ذروة الانتقادات التي تعرضت لها اسرائيل داخل أميركا، فجاءت على لسان وزير الخارجية جون كيري، الذي قال ما دأب على قوله كثيرون، وانما ليس بالصراحة نفسها وامام الرأي العام الاميركي، عندما قال كيري ان على اسرائيل ان تختار، اما ان تكون «دولة يهودية» او تكون «دولة ديموقراطية»، وهي من المرات النادرة التي يتجرأ فيها مسؤول أميركي على هذا المستوى على الطعن في «ديموقراطية اسرائيل»، اذ ان تل ابيب واصدقاءها دأبوا، على مدى العقود الماضية، على تسويق اسرائيل بين الاميركيين على انها «الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط».
لكن في ايامها الاخيرة، اسدت ادارة الرئيس باراك أوباما خدمة جلية للعرب والقضية الفلسطينية بكسرها حظرا غير رسمي كان مفروضا على السياسيين والاعلاميين الاميركيين، ويقضي بعدم التطرق الى طبيعة الدولة العبرية، وحصر الحديث عن اسرائيل بالاشارة الى صراعها مع الارهابيين العرب المزعومين، وتصويرها الصراع العربي الاسرائيلي على انه جزء من الاصطفافات العالمية، ان «الحرب الباردة»، او «الحرب ضد الارهاب» او «مواجهة التمدد الايراني».
وفي الماضي، كانت اسرائيل تصور نفسها على انها خط الدفاع الاول في الحرب الباردة بين ديموقراطيات العالم، من جهة، والشيوعية التي كان يقودها الاتحاد السوفياتي، من جهة اخرى. ثم بعد نهاية الحرب الباردة، قدمت اسرائيل واصدقاؤها الدولة العبرية على انها رأس حربة التحالف العالمي في مكافحته الارهاب. وفي السنوات القليلة الماضية، حوّلت اسرائيل قضية «الملف النووي الايراني» الى أزمة عالمية، وصورت نفسها على انها ضحية محتملة لايران النووية، مع ما يعني ذلك من ضرورة حصول اسرائيل على دعم مالي وديبلوماسي وعسكري متواصل، وترافق ذلك مع تشتيت الانتباه عن ممارسات اسرائيل ضد الفلسطينيين. وساهمت التصريحات الايرانية الرعناء، من قبيل تكرار المسؤولين الايرانيين في الطعن بالمحارق الاوروبية بحق اليهود، في المزيد من تشتيت الانتباه عن الفلسطينيين وقضيتهم وتحويل الصراع الى اقليمي بين ايران واسرائيل.
لكن التململ الاميركي من اسرائيل وممارساتها العنصرية ضد الفلسطينيين كان يستعر مثل الجمر تحت الرماد، على رغم بقائه بعيدا عن خطاب «المؤسسة الحاكمة» لدى الحزبين الديموقراطي والجمهوري، مثلا يوم قاطع المرشح الديموقراطي للرئاسة السناتور بيرني ساندرز المؤتمر السنوي للوبي الاسرائيلي المعروف بـ «ايباك» في مارس الماضي، اعتبر الخبراء ان الخطوة كانت متوقعة من قبل سياسيين على الهامش من امثال ساندرز.
والتحول في الشعور الاميركي العام ضد اسرائيل لم يكن وليد قرار مجلس الأمن 2334 وامتناع ادارة أوباما عن نقضه، بل هو تراكم لسلسلة من الاخطاء الاسرائيلية والتصرفات المتعجرفة بحق الاميركيين، فنتنياهو سبق ان اعلن تأييده المرشح الجمهوري السابق للرئاسة ميت رومني، قبل ان يعلن صداقته للرئيس الجمهوري المنتخب ترامب. ثم وجهت اسرائيل واصدقاؤها صفعة لاوباما والديموقراطيين بدعوة الكونغرس الجمهوري نتنياهو لالقاء كلمة، من دون ابلاغ البيت الابيض، الذي اغلق ابوابه في وجه الضيف الاسرائيلي.
وعند كل محاولة اعادة اطلاق محادثات السلام، كان نتنياهو يوجه صفعة لأوباما، فهو اعلن عن بناء مستوطنات فيما كان نائب الرئيس جو بايدن في الجو في طريقه الى اسرائيل لاعادة اطلاق المفاوضات. ونتنياهو لا يتردد في اعلان تأييده الاستيطان اثناء كل زيارة له الى البيت الابيض، على الرغم من محاولات ادارة أوباما التقليل من اهمية الموضوع بهدف استرضاء الفلسطينيين لحضّهم على الانخراط في المحادثات المتعثرة.
لكن يبدو هذه المرة ان الكيل طفح لدى الديموقراطيين. صحيح ان امتناع أوباما عن التصويت في مجلس الأمن افضى الى قرار يتيم مع تأثيرات شبه معدومة على الارض الفلسطينية، الا ان حركة أوباما فتحت الباب امام سيل الاحباط الاميركي من التصرفات الاسرائيلية المتعجرفة، وهو سيل أميركي من غير المرجح ان يتوقف حتى بعد خروج أوباما من الحكم.
رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو أجبر أوباما على اطلاق العنان الاميركي ضد اسرائيل، وهو بعدما فعل ذلك، لم يتوقف عن مهاجمة الاميركيين، فدفع بذلك بالمزيد منهم الى الخروج الى دائرة الضوء لمهاجمة العنصرية الاسرائيلية. وفي خضم المواجهة، يستمر نتنياهو في المراهنة على الجمهوريين كحلفاء يقدمون الولاء والطاعة الكاملة لاسرائيل، من دون ان يلتفت الى حقيقة ان الديموقراطيين لا يشكلون نصف الاميركيين فحسب، بل هم اظهروا في الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي ان ناخبيهم أكثر من ناخبي نظرائهم الجمهوريين بثلاثة ملايين صوت على الأقل، أي انه حتى لو امسك نتنياهو بالرئاسة والكونغرس في واشنطن، فان غالبية الرأي العام قد تبقى حانقة ضده، وقد تكلفه الكثير اذا ما عاد الديموقراطيون الى الحكم يوما.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق