| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في اليوم التالي لانتصار المرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، أوقف موقع «ويكيليكس» نشر الرسائل الالكترونية الخاصة التي هزّت صورة كلينتون وحملتها، وساهمت في الغالب في هزيمتها. فجأة، بدا جليا لوكالات الاستخبارات الأميركية ان هدف نشر تلك الرسائل كان التأثير في مجرى الانتخابات الأميركية، فكثّفت هذه الوكالات من تحقيقاتها، لتصل لنتيجة مؤكدة مفادها ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أشرف شخصيا على عملية اختراق الحسابات الأميركية ونشر الرسائل المحرجة لكلينتون عبر موقعي ويكيليكس وغوسيفر.
وفي آخر مؤتمر صحافي له رئيسا للولايات المتحدة، قال باراك أوباما انه طلب من بوتين وقف الاختراقات الروسية الالكترونية للحسابات الأميركية، وانه منذ ذلك الوقت، توقفت كل هجمات موسكو.
وكان أوباما وعد ان بلاده سترد على الاختراقات الروسية بأشكال علنية وسرية. لكن وعود أوباما بالرد، في أقل من اربعة اسابيع متبقية له في البيت الابيض، لا تبدو جدية، بل يبدو ان بوتين نجا بفعلته من دون عواقب.
على ان الهجمات الروسية جددت النقمة الأميركية ضد روسيا، فالعداء بين البلدين قديم، وكان تراجع بعض الشيء في التسعينات على اثر انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنه يبدو وكأنه عاد الى زمن المواجهة، التي ظهرت اولى بوادرها في رأي عام أميركي انقلب ضد موسكو، الى درجة احرجت حتى ترامب نفسه، الذي مازال يتباهى بانتصاره الانتخابي وشعبيته العارمة، على حد زعمه.
وبدأت ردة الفعل الأميركية ضد روسيا في مجلس الشيوخ، حيث وقع ١٢ عضوا من الحزبين على رسالة طلبوا منها من أوباما رفع السرية عن التقارير الاستخباراتية التي أطلعتهم عليها وكالات الاستخبارات حول الهجمات الروسية الالكترونية والدعائية ضد الولايات المتحدة.
وفور اعلان أوباما طلبه من وكالات الاستخبارات اعداد تقاريرهم حول تدخل روسيا بالانتخابات الأميركية، وتقديمها اليه قبل خروجه من الحكم، أعلن اكبر اربع اعضاء في مجلس الشيوخ، من الحزبين، تأييدهما للتحقيق، الذي رفضه ترامب وفريقه بشدة، قبل ان يتدخل زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي فازت زوجته بتعيين بمنصب وزيرة في حكومة ترامب، ليؤيد زملائه ويطلق تصريحات ضد التدخلات الروسية، مطالبا بمحاسبة موسكو.
ويبدو ان الحركة في الكونغرس تعكس مزاجا شعبيا، في الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ضد روسيا. والجمهوريون هم عادة أكثر حدة ضد الروس، وهم ينسبون الى زعيمهم الرئيس الراحل رونالد ريغان فضل التغلب على ما كان يسميها «امبراطورية الشر»، اي الاتحاد السوفياتي، فيما يتخذ الديموقراطيون عادة مواقف اكثر لينة من روسيا.
على ان الديموقراطيين، الذين يعتقدون ان بوتين ساهم في ترجيح كفة ترامب ضد مرشحتهم، انقلبوا هذه المرة ضد روسيا تماما، وبثت شبكة «ام اس ان بي سي» تقارير قاسية ضد بوتين، جاء ابرزها عبر برنامج «رايتشل مادو»، الاكثر شعبية.
ونقلت مادو عن الاستخبارات الأميركية تقديراتها ان بوتين هو «أغنى رجل في العالم» بثروة تبلغ ٨٥ مليار دولار، متقدما على مؤسس شركة «مايكروسوفت» بيل غايتس الذي تبلغ ثروته ٧٥ مليارا.
وصب الديموقراطيون غضبهم على وزير الخارجية المعين ورئيس شركة «اكسون» النفطية ريكس تيليرسون، الذي يتمتع بصداقة شخصية مع بوتين. وقال ستيف كول، مؤلف كتاب «اكسون: الامبراطورية الخاصة»، ان تيليرسون لم يكترث لفرض الولايات المتحدة عقوبات على موسكو على اثر ضمّها شبه جزيرة القرم الاوكرانية، بل طار الى روسيا وشارك في مؤتمرات نفطية قال فيها ان قرارات الحكومات أمر لا يعنيه ولا يعني شركته.
كذلك رصدت وسائل الاعلام الأميركية تصريحات مسؤولين في الخارجية الروسية قالوا فيها انهم على اتصال شبه دائم مع «الفريق الانتقالي الرئاسي» التابع لترامب.
هكذا، تتصاعد التعبئة لدى الرأي العام الاميركي ضد بوتين، الذي ينحصر اصدقاؤه بترامب وحده وحفنة من مستشاريه، في وقت يعتقد الخبراء الاميركيون ان المواجهة بين ترامب وبوتين قد تحصل في وقت قريب بسبب شخصية الرجلين، اذ يعتقد كل منهما انه يستغل الآخر من اجل مصالحه.
اما كيف سينعكس التوتر الاميركي - الروسي المقبل على منطقة الشرق الاوسط، فالأرجح ان الطرفين - في حال تأجج الصراع بينهما - سيسعيان الى جمع أكبر عدد اصدقاء ممكن بين حكومات العالم، وهو ما قد يعيد حسابات الحرب الباردة في السياسة الدولية ويسمح باعادة توازن اقليمي فقدته المنطقة، على الأقل منذ اطاحت حرب العراق بنظام صدام حسين، حسب رأي عدد من الخبراء الاميركيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق