حسين عبدالحسين
ليس مستغربا قراءة مقالات أميركية مؤيدة لنظام الجمهورية الاسلامية في ايران. فطهران واللوبي التابع لها في واشنطن يمنحان رعايتهما لعدد وافر من الصحافيين الاميركيين. ولكن يبدو ان النظام الايراني وسّع دعايته لتشمل كتابة تاريخ منطقة الشرق الاوسط، وهو ما بدا جليا في مقالة في مجلة "نيويوركر" بعنوان "شبح الحرب الذي يطارد المفاوضين (النوويين) الايرانيين" بقلم روبن رايت.
ورايت من الصحافيات الاميركيات الطامحات، اللواتي لم يكتب لهن التوفيق اللازم، فهي سبق ان عملت في "معهد بروكنغز" وصحيفة "واشنطن بوست"، وألفت ثمانية كتب كان أولها عن الخميني في العام ١٩٨٩ وآخرها عن ثورات الربيع العربي في العام ٢٠١٢، وهي اليوم تكتب في "نيويوركر" خلفا لسيمور هيرش، الذي خسر مصداقيته في السنوات الاخيرة بسرعة لا مثيل لها.
في مقالتها في "نيويوركر"، هذا الاسبوع، تتحدث رايت عن زيارتها الاخيرة لايران، وعن لقاءاتها مع مقاتلين سابقين في الحرب الايرانية - العراقية (١٩٨٠ - ١٩٨٨)، خصوصا ممن تعرضوا لغازات سامة تتهم رايت الجيش العراقي بإطلاقها اثناء في معركة شبه جزيرة الفاو الجنوبية، التي كان الايرانيون حصنّوها واستعادها العراقيون في ٣٦ ساعة. هزيمة الفاو هي التي اجبرت مرشد الثورة الايرانية الاول روح الله الخميني على "تجرع كأس السم" وقبول قرار وقف اطلاق النار مع العراق.
طبعا، رايت تعتبر انها تقدم قراءة موضوعية لتاريخ الحرب الايرانية - العراقية، من دون ان تتنبه الى انه مجرد حصولها على تأشيرة دخول ايرانية، وزيارتها ايران، واجرائها مقابلات هناك، هي كلها امور لم تكن ممكنة لو لم يكن النظام الايراني متأكداً من صداقة رايت له وتأييدها لمواقفه.
تبدأ رايت مقالتها بتأكيد ان العراق بدأ العدوان ضد الايرانيين في العام ١٩٨٠ بدعم اميركي، وان العدوان أجبر الايرانيين على الذهاب الى الحرب -- التي أطلقوا عليها اسم الدفاع المقدس -- على عجل من امرهم، وان ثلاثة في المئة ممن لقوا حتفهم على الجبهات كانوا لم يبلغوا عامهم الرابع عشر.
ولأن الجيش العراقي استخدم أسلحة كيماوية بدعم اميركي وعربي، ولأن ايران لم ترد بالمثل، ولأنه كان لدى العراقيين برنامج أسلحة نووية، قررت ايران اعادة استئناف برنامج الشاه النووي السلمي، وهو الذي أوصل المجتمع الدولي وايران الى المفاوضات اليوم. وتقدم رايت عددا من المقاتلين الايرانيين الذين مازالوا يعانون آثار تعرضهم للأسلحة الكيماوية، وتختم بالقول انها كانت في ايران عندما سرت انباء العثور على جثث ١٧٥ غطاسا ايرانيا أسرهم العراقيون في الحرب ودفنوهم وهم احياء ومكبلين.
طبعا التاريخ عند رايت يبدأ من حيث يريد سادتها في طهران. مثلا، لا اشارة الى ان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان استضاف الخميني والمعارضة الايرانية لمناكفة الشاه، وان الخميني ادلى بمحاضراته حول الحكومة الاسلامية في النجف، وان صراعاً ايرانياً - عراقياً مسلحا أجبر صدام على توقيع اتفاقية الجزائر في العام ١٩٧٥، والتخلي عن شط العرب، وطرد الخميني الى باريس، وان الخميني حقد على صدام، وبدأ بتحريك رجال الدين الشيعة ضده بعد انهيار نظام الشاه وعودة الخميني الى طهران.
لم تذكر رايت ان "حزب الدعوة الاسلامية" حاول القيام بثورة اسلامية مماثلة في العراق، وان صدام قمعها بدموية، وان التصعيد دفعه الى مواجهة عسكرية مع ايران، وانه بعد العام ١٩٨٤ انقلبت كفة الحرب لصالح ايران التي وصلت قواتها الى محيط البصرة، وان صدام رجاهم وقف اطلاق النار، لكن الخميني دأب على اطلاق عمليات عسكرية متتالية اطلق عليها اسم كربلاء، ووعد مراهقيه بالجنة واعطاهم مفاتيحها، ورمى بهم عراة امام المدفعية العراقية.
التاريخ الذي تنشره رايت بين الاميركيين هو تاريخ الحرب العراقية - الايرانية بعيون ايرانية، فيه النظام الاسلامي ضحية دائمة، وفيه استخفاف بعقول القراء لناحية ان ايران -- ردا على برنامج صدام النووي واستخدامه الكيماوي على الجبهة -- ردت ببرنامج نووي سلمي فقط، مع ان طهران اقامت منشآت نووية سرية اكتشفها العالم صدفة.
التاريخ الذي ينشره اللوبي الايراني بين الاميركيين هو تاريخ العرب حسبما تراه ايران، اذ ذاك لا يعود مستغربا كيف يصبح الرأي العام الاميركي أكثر تأييدا لاتفاقية وتحالف مع النظام الايراني، وكيف يرسل هؤلاء الاميركيون الى البيت الابيض رئيسا يمضي ولايتين رئاستين وهو يحاول تحقيق هذا الهدف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق