حسين عبدالحسين
وقع 37 ممن سمّوا أنفسهم “وجهاء” الجالية الايرانية في الولايات المتحدة عريضة موجهة الى المرشحين الى الرئاسة الاميركية العام المقبل، طالبوهم فيها بالابتعاد عن “التعميم حول الشعب الايراني اثناء مناقشتهم موضوع المفاوضات” بين مجموعة دول خمس زائد واحد وإيران.
ويبدو ان ما اثار حفيظة هؤلاء الايرانيين الاميركيين تصريحات للسناتور الجمهوري والمرشح الرئاسي ليندسي غراهام، الذي قال في معرض حديثه عن المفاوضات النووية ان “الايرانيين يكذبون”. ومن نافل القول إن غراهام لم يقصد القول ان كل الشعب الايراني يكذب، بل هو استخدم كلمة ايرانيين للدلالة على الوفد المفاوض او الحكومة الايرانية.
لكن يبدو ان الشعور القومي لدى هؤلاء الاميركيين من اصول ايرانية، والذين ينضوون تحت لواء “اللجنة العامة لتحالف الايرانيين الاميركيين”، غلب على ما سواه، فسارعوا الى تدبيج الرسالة المذكورة، التي اوردوا فيها ان “إيران فريدة من نوعها في الشرق الاوسط، لناحية ان فيها عدد كبير من الايرانيين، ممن هم في عمر الشباب، ممن يسكنون المدن، وممن لديهم نظرة ايجابية تجاه اميركا”.
وتابعت الرسالة ان “الملاحظات الطائشة” من شأنها ان تبعد هؤلاء الايرانيين عن اميركا، وان تخفف من ضغطهم على حكومتهم لدفعها الى الانخراط مع المجتمع الدولي. كذلك، من شأن التصريحات مثل قول ان “الايرانيين يكذبون”، حسب الرسالة، ان تعزز من موقف معارضي الانفتاح الايراني على العالم.
الانطباعات الاولية حول الرسالة يتصدرها غياب اسماء الايرانيين – الاميركيين الذين يعملون في العاصمة الاميركية بأوامر من طهران والمعروفين بـ “اللوبي الايراني”.
ربما أراد هذا اللوبي اظهار تنوع ايراني في تأييد المفاوضات بين طهران والعالم، وربما المنافسة الداخلية بين هذه المجموعات الايرانية في اميركا هي التي غيبت اسماء توابع نظام طهران، من امثال تريتا بارسي رئيس “اللجنة القومية للإيرانيين الاميركيين”.
لكن بغض النظر عن الدافع او المحرك لهؤلاء الايرانيين الاميركيين لتوجيه العريضة، تشير هذه الرسالة المفتوحة الى أزمة لدى إيرانيي المهجر. فالشعب الاميركي ينحدر من جذور قومية وعرقية مختلفة، ويندر ان تقوم مجموعة بالدفاع عن وطنها الأم، بل ان هذه المجموعات الاميركية المختلفة تغلف مواقفها بالقول إنها تنبع من خوفها على المصلحة الاميركية.
مثلا، لا يحدث ان يهب يهود أميركا للدفاع عن اسرائيل، بل هم يدافعون عن اسرائيل من باب ان للولايات المتحدة مصلحة في الابقاء على تحالفها القوي مع تل ابيب، أي ان الدافع الرئيس في عرف هذه اللوبيات هو المصلحة الاميركية، لا مصلحة “الشباب الايراني الذي يعيش في المدن”.
مشكلة ثانية تكمن في نسبة الشوفينية الايرانية عند هؤلاء الاميركيين، فتصريح غراهام لم يكن بهذه الفداحة ولم يخرج عن الاصول الديبلوماسية او اللباقة المتعارف عليها، فهو لم يقل ان الايرانيين شعب كاذب، بل جلّ ما قاله ان الايرانيين يكذبون في المفاوضات.
اما المشكلة الثالثة، والأكبر، فتكمن في ما يبدو اضطراب في الاولويات عند ايرانيي أميركا، فكلمة عابرة من سناتور لا تستأهل تحريك الجالية الايرانية للتصدي لها، وكان من الأجدى “للجنة العامة لتحالف الايرانيين الاميركيين” ان تخصص مواردها لأمور أكثر اهمية، فبدلا من اعتبار ان المواقف الاميركية العابرة او التصريحات الهامشية، مثل تصريح غراهام، هو الذي يؤثر في آراء الايرانيين، كان يمكن للعريضة ان تهاجم حكومة ايران نفسها التي أدت سياساتها الرعناء الى صراع مع المجتمع الدولي بأكمله، والى ثمانية قرارات صدرت عن مجلس الأمن، بين الاعوام 2006 و2012، وأدت الى فرض عقوبات اقتصادية قاسية دفعت الاقتصاد الايراني الى الهاوية.
كان من الأجدى للإيرانيين الاميركيين الموقعين على الرسالة المعارضة لتصريح تافه ان تفرد اهتمامها لسياسات النظام الايراني الذي يخصص موارده الشحيحة لميليشيات تقاتل في عموم الشرق الاوسط، بدلا من استخدام هذه الموارد لرعاية “الشباب الايراني الذي يسكن المدن” وللإنفاق على تعليمه وعلى سكنه وعلى مصلحته العامة.
غريب أمر هؤلاء الايرانيين الاميركيين الذي يعتقدون ان الشباب الايراني يغضب لتصريحات شخصية هامشية مثل غراهام ولا يعتقدون ان على هؤلاء الشباب في إيران ان ينتفضوا لحقوقهم، وان يرفضوا ان يرهن النظام الايراني اقتصاد البلاد ومصلحتها العامة بسياسات توسعية متهورة حولّت بلاد عريقة الى معسكر يعيش حالة حرب متواصلة أكسبت إيران والايرانيين عداوة كل الشعوب الدول المحيطة بإيران.
عندما يغضب ايرانيو اميركا، من الأفضل لهم ان يعرضوا عن التفاهات، كالتصريحات، وأن يفردوا اهتمامهم ومواردهم للأمور الأكثر أهمية، مثل ضرورة وضع حد لنظام متهور أغرق نفسه والايرانيين ويعمل اليوم على اغراق شعوب الجوار والمنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق